responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 292
عَدُوِّ الْبَشَرِ الشَّيْطَانِ، وَيَلِيهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى مَا يُتَّقَى بِهِ ذَلِكَ الْإِغْوَاءُ وَالْفَسَادُ، قَالَ تَعَالَى:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) الْخِطَابُ لِبَنِي آدَمَ، وَالْمَعْنَى خَلَقْنَا جِنْسَكُمْ أَيْ مَادَّتَهُ مِنَ الصَّلْصَالِ وَالْحَمَأِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْمَاءُ وَالطِّينُ اللَّازِبُ الْمُتَغَيِّرُ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ الْإِنْسَانُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ بِأَنْ جَعَلْنَا مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ صُورَةَ بَشَرٍ سَوِيٍّ قَابِلٍ لِلْحَيَاةِ، أَوْ قَدَّرْنَا إِيجَادَكُمْ تَقْدِيرًا، ثُمَّ صَوَّرْنَا مَادَّتَكُمْ تَصْوِيرًا، وَمَعْنَى الْخَلْقِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ التَّقْدِيرُ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى إِيجَادِ الشَّيْءِ الْمُقَدَّرِ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ. قَالَ فِي حَقِيقَةِ الْمَادَّةِ مِنْ أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ: خَلَقَ الْخَرَّازُ الْأَدِيمَ (أَيِ الْجِلْدَ) وَالْخَيَّاطُ الثَّوْبَ - قَدَّرَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَأَخْلَقَ لِي هَذَا الثَّوْبَ (قَالَ) وَمِنَ الْمَجَازِ خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ أَوْجَدَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ أَوْجَبَتْهُ الْحِكْمَةُ اهـ. وَلَكِنَّ هَذَا الْمَجَازَ اللُّغَوِيَّ
صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً. وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ وَهُوَ يُصَدِّقُ بِخَلْقِ آدَمَ وَبِخَلْقِ مَجْمُوعِ النَّاسِ، فَإِنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ يُقَدِّرُ اللهُ خَلْقَهُ ثُمَّ يُصَوِّرُ الْمَادَّةَ الَّتِي يَخْلُقُهُ مِنْهَا فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: (إِحْدَاهَا) وَرُوَاتُهَا كَثِيرُونَ وَصَحَّحَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ فِيهِمَا: خُلِقُوا فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَصُوِّرُوا فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ. (وَالثَّانِيَةُ) خُلِقُوا فِي ظَهْرِ آدَمَ ثُمَّ صُوِّرُوا فِي الْأَرْحَامِ. أَخْرَجَهَا الْفِرْيَابِيُّ. (وَالثَّالِثَةُ) قَالَ: أَمَّا " خَلَقْنَاكُمْ " فَآدَمُ، وَأَمَّا " ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " فَذُرِّيَّتُهُ. أَخْرَجَهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوُهَا قَالَ: خَلَقَ اللهُ آدَمَ مِنْ طِينٍ ثُمَّ صَوَّرَكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عِظَامًا ثُمَّ كَسَا الْعِظَامَ لَحْمًا. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: خَلَقْنَاكُمْ يَعْنِي آدَمَ، ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ يَعْنِي فِي ظَهْرِ آدَمَ. وَعَنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: خَلَقَ اللهُ الْإِنْسَانَ فِي الرَّحِمِ ثُمَّ صَوَّرَهُ فَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَأَصَابِعَهُ اهـ. مُلَخَّصًا مِنَ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ. وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ الْمُوَافِقُ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَالْإِنْسَانُ الْأَوَّلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْهِنْدُوسِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِذَلِكَ قَالَ:
(ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) أَيْ قُلْنَا ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَوَّيْنَاهُ وَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا، مَا جَعَلْنَاهُ بِهِ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ وَعَلَّمْنَاهُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) أَيْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ لِأَنَّهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ. وَهُوَ مِنَ الْجِنِّ لَا مِنْهُمْ. وَإِنْ كَانَتِ الْجِنُّ نَوْعًا مِنْ جِنْسِهِمْ، أَوِ الْجِنَّةُ (بِالْكَسْرِ) جِنْسًا لِلْمَلَائِكَةِ وَلِلشَّيَاطِينِ الَّذِينَ هُمْ مَرَدَةُ الْجِنِّ وَأَشْقِيَاؤُهُمْ. وَهَذَا السُّجُودُ تَكْرِيمٌ مِنَ اللهِ لِآدَمَ لَا سُجُودَ عِبَادَةً، إِذْ نَصُّ الْقُرْآنِ الْقَطْعِيُّ قَدْ تَكَرَّرَ بِأَنَّهُ لَا يُعْبَدُ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَوْ هُوَ بَيَانٌ لِاسْتِعْدَادِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ وَمَا صَرَفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ قُوَى الْأَرْضِ الَّتِي تُدَبِّرُهَا الْمَلَائِكَةُ بِأُسْلُوبِ التَّمْثِيلِ الْقَصَصِيِّ، وَالْأَمْرُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ تَكْوِينِيٌّ قَدَرِيٌّ، لَا تَكْلِيفِيٌّ شَرْعِيٌّ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 8  صفحه : 292
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست