responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 20
(فَصْلٌ فِي مَبَاحِثَ تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الصَّلْبِ) إِنَّ مَسْأَلَةَ الصَّلْبِ مِنَ الْمَسَائِلِ التَّارِيخِيَّةِ الَّتِي لَهَا نَظَائِرُ وَأَشْبَاهٌ كَثِيرَةٌ، فَقَدْ كَانَ الْمُلُوكُ وَالْحُكَّامُ يَقْتُلُونَ وَيَصْلُبُونَ، وَنَاهِيكَ بِالرُّومَانِيِّينَ وَقَسْوَتِهِمْ، وَالْيَهُودِ وَعَصَبِيَّتِهِمْ، وَقَدْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ ; أَشْهَرُهُمْ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَالْفَائِدَةُ فِي إِثْبَاتِ التَّارِيخِ لِمِثْلِ هَذِهِ الْوَقَائِعِ لَا تَعْدُو الْعِبْرَةَ بِأَخْلَاقِ الْأُمَّةِ، وَدَرَجَةِ ضَلَالِهَا وَهِدَايَتِهَا، وَسِيرَةِ الْحُكَّامِ فِيهَا. وَقَدْ كَانَ الْيَهُودُ فِي عَصْرِ الْمَسِيحِ تَحْتَ سُلْطَانِ الرُّومِ (الرُّومَانِيِّينَ) وَالْحَاكِمُ الرُّومَانِيُّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ (بِيلَاطِسُ) لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ قَتْلَ الْمَسِيحِ، وَلَمْ يَحْفَلْ بِوِشَايَةِ الْيَهُودِ وَسِعَايَتِهِمْ فِيهِ، وَلَا خَافَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا يُزِيلُ سُلْطَانَ الرُّومِ عَنْ قَوْمِهِ، هَكَذَا تَقُولُ النَّصَارَى فِي كُتُبِهَا، وَإِنَّمَا كَانَتِ الْيَهُودُ تُرِيدُ قَتْلَهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِمَا دَعَا إِلَيْهِ مِنَ الْإِصْلَاحِ الَّذِي يُزَحْزِحُهُمْ عَنْ تَقَالِيدِهِمُ الْمَادِّيَّةِ ; لِأَنَّهُمْ بِقَتْلِ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى قَدْ أُصِيبُوا بِالضَّرَاوَةِ بِسَفْكِ دِمَاءِ النَّبِيِّينَ وَالْمُصْلِحِينَ، فَسَوَاءٌ صَحَّ خَبَرُ دَعْوَى قَتْلِ عِيسَى وَصَلْبِهِ أَمْ لَمْ يَصِحَّ، فَلَا صِحَّتُهُ تُفِيدُنَا عِبْرَةً بِحَالِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً، وَلَا عَدَمُهَا يُنْقِصُ مِنْ مَعْرِفَتِنَا بِأَخْلَاقِهِمْ وَتَارِيخِ زَمَنِهِمْ.
نَعَمْ إِنَّ مَسْأَلَةَ الصَّلْبِ لَيْسَتْ فِي ذَاتِهَا بِالْأَمْرِ الَّذِي يُهْتَمُّ بِإِثْبَاتِهِ أَوْ نَفْيِهِ فِي كِتَابِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بِأَكْثَرَ مِنْ إِثْبَاتِ قَتْلِ الْيَهُودِ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَقْرِيعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، لَوْلَا أَنَّ النَّصَارَى جَعَلُوهَا أَسَاسَ الْعَقَائِدِ وَأَصْلَ الدِّينِ، فَمَنْ فَاتَهُ الْإِيمَانُ بِهَا فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْهَالِكِينَ، وَمَنْ آمَنَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُونَهُ وَيَدْعُونَ إِلَيْهِ كَانَ هُوَ النَّاجِيَ بِمَلَكُوتِ السَّمَاءِ مَعَ الْمَسِيحِ وَالرُّسُلِ وَالْقِدِّيسِينَ. لِأَجْلِ هَذَا كَبُرَ عَلَيْهِمْ نَفْيُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ لِقَتْلِ الْمَسِيحِ وَصَلْبِهِ، وَهُمْ يُورِدُونَ فِي ذَلِكَ الشُّبُهَاتِ عَلَى الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ ; لِهَذَا رَأَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ عَقِيدَةَ الصَّلْبِ عِنْدَهُمْ، وَشُبُهَاتِهِمْ عَلَى نَفْيِهَا مَعَ الْجَوَابِ عَنْهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنَ الْمَبَاحِثِ الْمُهِمَّةِ.
عَقِيدَةُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ وَالصَّلْبِ:
نَرَى دُعَاةَ النَّصْرَانِيَّةِ الْمُنْبَثِّينَ فِي بِلَادِنَا، قَدْ جَعَلُوا قَاعِدَةَ دَعْوَتِهِمْ وَأَسَاسَهَا عَقِيدَةَ صَلْبِ الْمَسِيحِ فِدَاءً عَنِ الْبَشَرِ، فَهَذِهِ الْعَقِيدَةُ عِنْدَهُمْ هِيَ أَصْلُ الدِّينِ وَأَسَاسُهُ، وَالتَّثْلِيثُ يَلِيهَا ; لِأَنَّ أَصْلَ الدِّينِ وَأَسَاسُهُ هُوَ الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ أَوَّلًا، وَيُجْعَلُ مَا عَدَاهُ تَابِعًا لَهُ ; وَلِذَلِكَ كَانَ التَّوْحِيدُ هُوَ الْأَصْلَ وَالْأَسَاسَ لِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، وَيَلِيهِ الْإِيمَانُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ دَعَا إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) وَدَعَا أَهْلَ الْكِتَابِ فِي كُتُبِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذُ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (3: 64) وَبِهَذَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 20
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست