responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 384
وَلَمَّا كُنْتُ فِي الْآسِتَانَةِ سَنَةَ 1328 هـ أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْرِفَ حَالَ التَّعْلِيمِ الدِّينِيِّ فِي دَارِ الْفُنُونِ الَّتِي هِيَ الْمَدْرَسَةُ الْجَامِعَةُ فِي عَاصِمَةِ الدَّوْلَةِ، فَلَمَّا دَخَلَتُ الْحُجْرَةَ الَّتِي يُقْرَأُ
فِيهَا التَّفْسِيرَ أَلْفَيْتُ الْمُدَرِّسَ يُفَسِّرُ آيَةَ الْمَائِدَةِ هَذِهِ وَعُمْدَتُهُ تَفْسِيرُ الْبَيْضَاوِيِّ، وَهُوَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَدَارِسِهِمُ الدِّينِيَّةِ، وَهُوَ يُفَسِّرُ الْآيَةَ بِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعَدَمِ مُعَاشَرَتِهِمْ مُعَاشَرَةَ الْأَحْبَابِ " وَهَذَا مِنْ أَغْرَبِ أَغْلَاطِهِ "، فَلَمَّا قُرِّرَ ذَلِكَ الْمُفَسِّرُ بِالتُّرْكِيَّةِ قَامَ أَحَدُ الطَّلَبَةِ وَقَالَ لَهُ: إِذَنْ كَيْفَ جَعَلَتْهُمْ دَوْلَتُنَا فِي مَجْلِسَيِ الْمَبْعُوثِينَ وَالْأَعْيَانِ وَفِي هَيْئَةِ الْوُكَلَاءِ؟ أَيْ: وُزَرَاءُ الدَّوْلَةِ فَفَاجَأَ الْمُدَرِّسَ الْحَصْرُ وَخَرَجَ الْعَرَقُ مِنْ جَبِينِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: إِنَّ عَمَلَ الدَّوْلَةِ هَذَا مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ دِيوَانِ الْحَرْبِ الْعُرْفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْإِعْدَامِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِي الْآيَةِ غَيْرُ مَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَهَلْ لِلْمُقَلِّدِ إِلَّا نَقْلُ مَا يَرَاهُ فِي الْكِتَابِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنَّ أُجِيبَ هَذَا الطَّالِبَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقُمْتُ وَاقِفًا وَبَيَّنْتُ مَعْنَى الْوِلَايَةِ وَكَيْفَ كَانَ حَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَتَحْقِيقُ كَوْنِ الْوِلَايَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْآيَةِ، وَهِيَ وِلَايَةُ النُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةِ لَهُمْ وَكَانُوا مُحَارِبِينَ، وَكَوْنُ اسْتِخْدَامِ الذِّمِّيِّينَ مِنْهُمْ فِي الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لَا يَدْخُلُ فِي مَفْهُومِهَا بَلْ لَهُ أَحْكَامٌ أُخْرَى، وَالصَّحَابَةُ قَدِ اسْتَخْدَمُوهُمْ فِي الدَّوَاوِينِ الْأَمِيرِيَّةِ، وَالْعَبَّاسِيُّونَ جَعَلُوا إِسْحَاقَ الصَّابِيَّ وَزِيرًا فَاقْتَنَعَ السَّائِلُ، وَأَفْرَخَ رَوْعَ الْمُدَرِّسِ، وَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ مُدِيرُ قِسْمِ الْإِلَهِيَّاتِ وَالْأَدَبِيَّاتِ فِي دَارِ الْفُنُونِ اتَّخَذَهُ وَسِيلَةً لِإِصْدَارِ أَمْرٍ مِنْ نَاظِرِ الْمَعَارِفِ بِقِرَاءَةِ دَرْسِ التَّفْسِيرِ وَكَذَا دَرْسِ الْحَدِيثِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ السِّنِينِ، وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ وَسِيلَةً لِجَعْلِي مُدَرِّسًا لِلتَّفْسِيرِ إِنْ أَقَمْتُ فِي الْآسِتَانَةِ.
أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا، أَيْ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُجَّةً بَيِّنَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِكُمْ لِعَذَابِهِ إِذَا اتَّخَذْتُمُوهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الْمُنَافِقِينَ، فَالسُّلْطَانُ بِمَعْنَى الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ بِمَعْنَى السُّلْطَةِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُسَلِّطَهُمْ عَلَيْكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، وَلَكِنَّ وَصْفَ السُّلْطَانِ بِالْمُبِينِ أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَيُسْتَعْمَلُ الْمُبِينُ بِمَعْنَى الْبَيِّنِ فِي نَفْسِهِ، وَمَعْنَى الْمُبَيِّنِ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى جَزَاءَ الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ بَيَانِ أَحْوَالِهِمُ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا هَذَا الْجَزَاءَ فَقَالَ:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، الدَّرْكُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَبِهِ قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَبِفَتْحِهَا وَبِهِ قَرَأَ الْبَاقُونَ عِبَارَةٌ عَنِ الطَّبَقَةِ أَوِ الدَّرَجَةِ مِنَ الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ مُتَدَارِكَةٌ مُتَتَابِعَةٌ، وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ دَارَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ ذَاتُ دَرَكَاتٍ بَعْضُهَا أَسْفَلُ بَعْضٍ، كَمَا أَنَّ دَارَ النَّعِيمِ دَرَجَاتُ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مَعَ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ أَهْلِهَا فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (20: 75، 76) .

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 384
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست