responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 383
لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ، أَيْ: لَا يَخْلُصُونَ فِي الِانْتِسَابِ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ ; لِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ الْمَنْفَعَةَ وَلَا يَدْرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ، فَهُمْ يَمِيلُونَ إِلَى الْيَمِينِ تَارَةً وَإِلَى الشَّمَالِ أُخْرَى، فَمَتَى ظَهَرَتِ الْغَلَبَةُ التَّامَّةُ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مِنْهُ، كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا، أَيْ: وَمَنْ قَضَتْ سُنَّةُ اللهِ فِي أَخْلَاقِ الْبَشَرِ وَأَعْمَالِهِمْ أَنْ يَكُونَ ضَالًّا عَنِ الْحَقِّ مُوغِلًا فِي الْبَاطِلِ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ أَيُّهَا الرَّسُولُ أَوْ أَيُّهَا السَّامِعُ سَبِيلًا لِلْهِدَايَةِ بِرَأْيِكَ وَاجْتِهَادِكَ، فَإِنَّ سُنَنَ اللهِ تَعَالَى لَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَحَوَّلُ، هَذَا هُوَ مَعْنَى إِضْلَالِ اللهِ تَعَالَى الَّذِي يَتَّفِقُ بِهِ نُصُوصُ كِتَابِهِ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ، وَتَظْهَرُ بِهِ حِكْمَتُهُ فِي التَّكْلِيفِ وَالْجَزَاءِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْشِئُ فِطْرَةَ بَعْضِ النَّاسِ
عَلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ فَيَكُونُ مَجْبُورًا عَلَى ذَلِكَ لَا عَمَلَ لَهُ وَلَا اخْتِيَارَ فِيهِ كَعَمَلِ الْمَعِدَةِ فِي الْهَضْمِ، وَالْقَلْبِ فِي دَوْرَةِ الدَّمِ، كَمَا تَوَهَّمَ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا عِلْمَ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَتَيْنِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ جُمْلَةَ: وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ، حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يُرَاءُونَ وَكَذَا مُذَبْذَبِينَ وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مَنْصُوبٌ عَلَى الذَّمِّ.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْمُنَافِقِينَ، يُوَالُونَهُمْ وَيَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَكْرَهُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ النَّصْرُ وَالسُّلْطَانُ، وَأَنْ يُلْحَقُوا بِهِمْ، وَيَعُدُّوا أَنْفُسَهُمْ مِنْهُمْ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ مُؤْمِنٍ، حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَحْذُوَ بَعْضُ ضُعَفَائِهِمْ حَذْوَ الْمُنَافِقِينَ فِي وِلَايَةِ الْكَافِرِينَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي خِلَافِ مَصْلَحَتِهِمْ، يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ، وَيَرْجُونَ مِنْهُمُ الْمَنْفَعَةَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَخْطُرُ فِي بَالِ صَاحِبِ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، كَمَا فَعَلَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِذْ كَتَبَ إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَأْنِهِمْ ; لِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُمْ أَهْلًا وَمَالًا، فَالْأَوْلِيَاءُ جَمْعُ وَلِيٍّ مِنَ الْوِلَايَةِ، بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهِيَ النُّصْرَةُ، وَأَمَّا الْوَلَايَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ فَهِيَ تَوَلِّي الْأَمْرِ، وَقِيلَ: يُطْلَقُ اللَّفْظَانِ عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ، وَالْمُرَادُ هُنَا النُّصْرَةُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ فِيمَا يُنَافِي مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ (5: 51) ، إِلَخْ، وَإِنْ عَمَّمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ بَعْدَهَا: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (5: 52) ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَالْخَوْفُ مِنْ إِصَابَةِ الدَّائِرَةِ، وَذِكْرُ الْفَتْحِ وَنَدَمِهِمْ إِذَا جَعَلَهُ اللهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ هُنَا وِلَايَةُ النُّصْرَةِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا حَرْبًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ لَا يَشْمَلُ مَنْ لَيْسُوا كَذَلِكَ كَالذِّمِّيِّينَ إِذَا اسْتَخْدَمَتْهُمُ الدَّوْلَةُ، فِي أَعْمَالِهَا الْحَرْبِيَّةِ أَوِ الْإِدَارِيَّةِ بَلْ لِهَؤُلَاءِ حُكْمٌ آخَرُ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 383
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست