responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 218
مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، قِيلَ: إِنَّ الْخِطَابَ هُنَا لِكُلِّ مَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، وَقِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ، وَالْمَعْنَى مَهْمَا يُصِبْكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَهِيَ مِنْ مَحْضِ فَضْلِ اللهِ الَّذِي سَخَّرَ لَكَ الْمَنَافِعَ الَّتِي تَحْسُنُ عِنْدَكَ لَا بِاسْتِحْقَاقِ سَبْقٍ لَكَ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَبِمَاذَا اسْتَحْقَقْتَ أَنْ يُسَخِّرَ لَكَ الْهَوَاءَ النَّقِيَّ الَّذِي يُطَهِّرُ دَمَكَ، وَيَحْفَظُ حَيَاتَكَ، وَالْمَاءَ الْعَذْبَ الَّذِي يَمُدُّ حَيَاتَكَ وَحَيَاةَ كُلِّ الْأَحْيَاءِ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا، وَهَذِهِ الْأَزْوَاجُ الْكَثِيرَةُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَحَيَوَانَاتِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَادِّ الْغِذَاءِ وَأَسْبَابِ الرَّاحَةِ وَالْهَنَاءِ، وَمَهْمَا يُصِبْكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ أُوتِيتَ قُدْرَةً عَلَى الْعَمَلِ وَاخْتِيَارًا فِي تَقْدِيرِ الْبَاعِثِ الْفِطْرِيِّ عَلَيْهِ مِنْ دَرْءِ الْمَضَارِّ وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ، فَصِرْتَ تَعْمَلُ بِاجْتِهَادِكَ فِي تَرْجِيحِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ وَالْمَقَاصِدِ عَلَى بَعْضٍ فَتُخْطِئُ فَتَقَعُ فِيمَا يَسُوؤُكَ، فَلَا أَنْتَ تَسِيرُ عَلَى سُنَنِ الْفِطْرَةِ وَتَتَحَرَّى جَادَّتَهَا، وَلَا أَنْتَ تُحِيطُ عِلْمًا بِالسُّنَنِ وَالْأَسْبَابِ وَضَبْطِ الْهَوَى وَالْإِرَادَةِ فِي اخْتِيَارِ الْحَسَنِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا تُرَجِّحُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي حِينٍ دُونَ حِينٍ بِالْهَوَى أَوْ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ التَّامَّةِ بِالنَّافِعِ وَالضَّارِّ مِنْهَا فَتَقَعُ فِيمَا يَسُوؤُكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عَمِلْتَ السَّيِّئَاتِ.
وَتَفْصِيلُ الْقَوْلِ أَنَّ هُنَا حَقِيقَتَيْنِ مُتَّفِقَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ، وَأَنَّهُ وَاضِعُ النِّظَامِ وَالسُّنَنِ لِأَسْبَابِ الْوُصُولِ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِسَعْيِ الْإِنْسَانِ، وَكُلُّ شَيْءٍ حَسَنٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّهُ مَظْهَرُ الْإِبْدَاعِ وَالنِّظَامِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقَعُ فِي شَيْءٍ يَسُوؤُهُ إِلَّا بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ فِي اسْتِبَانَةِ الْأَسْبَابِ وَتَعَرُّفِ السُّنَنِ، فَالسَّوْءُ مَعْنًى يَعْرِضُ لِلْأَشْيَاءِ بِتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ، وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَسُوؤُهُ وَلَيْسَ ذَاتِيًا لَهَا وَلِذَلِكَ يُسْنَدُ إِلَى الْإِنْسَانِ.
مِثَالُ ذَلِكَ: الْمَرَضُ، فَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَسُوءُ الْإِنْسَانَ، وَهُوَ إِنَّمَا يُصِيبُهُ بِتَقْصِيرِهِ فِي السَّيْرِ عَلَى سُنَّةِ الْفِطْرَةِ فِي الْغِذَاءِ وَالْعَمَلِ فَيَجِيءُ مِنْ تُخْمَةٍ قَادَتْهُ إِلَيْهَا الشَّهْوَةُ، أَوْ مِنْ إِفْرَاطٍ فِي التَّعَبِ أَوْ فِي الرَّاحَةِ، أَوْ مِنْ عَدَمِ اتِّقَاءِ أَسْبَابِ الضَّرَرِ كَتَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِلْبَرْدِ
الْقَارِسِ أَوِ الْحَرِّ الشَّدِيدِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى الْجَهْلِ بِالْأَسْبَابِ وَسُوءِ الِاخْتِيَارِ فِي التَّرْجِيحِ، وَالْأَمْرَاضُ الْمَوْرُوثَةُ مِنْ جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ فَهِيَ مِنْ نَفْسِهِ أَيْضًا لَا مِنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ وَالطَّبِيعَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَحْضِ خَلْقِ اللهِ دُونَ اخْتِيَارِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، فَوَالِدَاهُ يَجْنِيَانِ عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِهِ بِتَعْرِيضِ أَنْفُسِهِمَا لِلْمَرَضِ الَّذِي يَنْتَقِلُ إِلَى نَسْلِهِمَا بِالْوِرَاثَةِ، كَمَا يَجْنِيَانِ عَلَيْهِ بَعْدَهُ بِتَعْرِيضِهِ هُوَ لِلْمَرَضِ فِي صِغَرِهِ بِعَدَمِ وِقَايَتِهِ مِنْ أَسْبَابِهِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ اخْتِيَارُهُمَا لَهُ قَائِمًا مَقَامَ اخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ.
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا خَاصًّا: غَزْوَةَ أُحُدٍ، أَصَابَتِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا سَيِّئَةٌ كَانَ سَبَبُهَا تَقْصِيرَهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست