responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 217
فَلِمَاذَا تَخْتَارُونَ لِأَنْفُسِكُمُ الْحَقِيرَ عَلَى الْعَظِيمِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعُقَلَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ؟
كَانَ مِنْ مَرَضِ قُلُوبِ هَؤُلَاءِ أَنْ كَرِهُوا الْقِتَالَ وَجَبُنُوا عَنْهُ وَخَافُوا النَّاسَ وَتَمَنَّوْا بِذَلِكَ طُولَ الْبَقَاءِ، فَكَانَ هَذَا صَدْعًا فِي دِينِهِمْ وَعُقُولِهِمْ قَامَتْ بِهِ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، ثُمَّ ذَكَرْنَا شَأْنًا آخَرَ مِنْ شُئُونِهِمْ يُشْبِهُهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَرَضِ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ فَقَالَ:
وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْحَسَنَةُ مَا يَحْسُنُ عِنْدَ صَاحِبِهِ
كَالرَّخَاءِ وَالْخَضْبِ وَالظَّفَرِ وَالْغَنِيمَةِ، كَانُوا يُضِيفُونَ الْحَسَنَةَ إِلَى اللهِ - تَعَالَى - لَا بِشُعُورِ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ بَلْ غُرُورًا بِأَنْفُسِهِمْ، وَزَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُمْ بِهَا عِنَايَةً بِهِمْ، وَهُرُوبًا مِنَ الْإِقْرَارِ بِأَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَثَرُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ مِنَ الْهِدَايَةِ، وَمَا حَاطَهُمْ بِهِ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالرِّعَايَةِ، وَلِذَلِكَ كَانُوا يَنْسُبُونَ إِلَيْهِ السَّيِّئَةَ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيءٌ مِنْ أَسْبَابِهَا، دَعْ إِيجَادَهَا وَإِيقَاعَهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، وَالسَّيِّئَةُ مَا يَسُوءُ صَاحِبَهُ كَالشِّدَّةِ وَالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْهَزِيمَةِ وَالْجَرْحِ وَالْقَتْلِ، كَانَ الْمُنَافِقُونَ وَالْكُفَّارُ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ إِذَا أَصَابَ النَّاسَ فِي الْمَدِينَةِ سَيِّئَةٌ بَعْدَ الْهِجْرَةِ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ شُؤْمِ مُحَمَّدٍ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ: إِنَّ كُلًّا مِنَ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ مِنْ عِنْدِ اللهِ لِوُقُوعِهَا فِي مُلْكِهِ عَلَى حَسَبِ سُنَنِهِ فِي نِظَامِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا أَيْ: فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، وَمَاذَا أَصَابَ عُقُولَهُمْ حَالَ كَوْنِهَا بِمَعْزِلٍ عَنِ الْغَوْصِ فِي أَعْمَاقِ الْحَدِيثِ وَفَهْمِ مَقَاصِدِهِ وَأَسْرَارِهِ! فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ حَقِيقَةَ حَدِيثٍ يُلْقُونَهُ وَلَا حَقِيقَةَ حَدِيثٍ يُلْقَى إِلَيْهِمْ قَطُّ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ بِمَا يَطْفُو مِنَ الْمَعْنَى عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ بَادِئَ الرَّأْيِ، وَالْفِقْهُ مَعْرِفَةُ مُرَادِ صَاحِبِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ وَحِكْمَتِهِ فِيهِ مِنَ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهِ وَالْغَائِيَّةِ لَهُ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ فَقَدُوا هَذَا الْفِقْهَ وَحُرِمُوهُ مِنْ كُلِّ حَدِيثٍ، فَأَجْدَرُ بِهِمْ أَنْ يُحْرَمُوهُ مِنْ حَدِيثٍ يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ عَنْ وَحْيِ رَبِّهِ فِي حَقِيقَةِ التَّوْحِيدِ وَنِظَامِ الِاجْتِمَاعِ وَسُنَنِ اللهِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ، فَهَذِهِ الْمَعَارِفُ الْعَالِيَةُ لَا تُنَالُ إِلَّا بِفَضْلِ الرَّوِيَّةِ وَذَكَاءِ الْعَقْلِ وَطُولِ التَّدَبُّرِ، وَمَنْ نَالَهَا لَا يَقُولُ بِأَنَّ سَيِّئَةً تَقَعُ بِشُؤْمِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يُسْنِدُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى السَّبَبِ، أَوْ إِلَى وَاضِعِ الْأَسْبَابِ وَالسُّنَنِ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ.
وَفِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الرَّشِيدِ أَنْ يَطْلُبَ فِقْهَ الْقَوْلِ دُونَ الظَّوَاهِرِ الْحَرْفِيَّةِ، فَمَنِ اعْتَادَ الْأَخْذَ بِمَا يَطْفُو مِنَ الظَّوَاهِرِ دُونَ مَا رَسَبَ فِي أَعْمَاقِ الْكَلَامِ وَمَا تَغَلْغَلَ فِي أَنْحَائِهِ وَأَحْنَائِهِ يَبْقَى جَاهِلًا غَبِيًّا طُولَ عُمْرِهِ.
بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِي السَّيِّئَاتِ وَالْحَسَنَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَوْضُوعِهَا وَسُنَنِ
الِاجْتِمَاعِ فِيهَا، وَأَنَّهَا كُلَّهَا تُضَافُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إِلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِيهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 217
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست