responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 79
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يَأْتِيهِ الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ، وَهِيَ مِنْ آخَرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا كَمَا سَيَأْتِي. وَذُكِرَتْ فِي النَّظْمِ بَعْدَ آيَاتِ الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَ آخِرُهَا آيَةَ الْكَامِلِينَ فِي السَّخَاءِ وَالْجُودِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّنَاسُبِ بِالتَّضَادِّ، فَالْمُتَصَدِّقُ يُعْطِي الْمَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ، وَالْمُرَابِي يَأْخُذُ الْمَالَ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَإِنَّنَا نَذْكُرُ تَفْسِيرَ الْآيَاتِ ثُمَّ نُفِيضُ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ الرِّبَا وَحِكْمَةِ تَحْرِيمِهِ ; لِأَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَأْنًا كَبِيرًا فِي حَيَاةِ الْأُمَّةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَيَزْعُمُ بَعْضُ الْمُتَفَرْنِجِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا هُوَ الْعَقَبَةُ الْكَئُودُ فِي طَرِيقِ مُجَارَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِلْأُمَمِ الْغَرْبِيَّةِ فِي الثَّرْوَةِ
الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْعِزَّةِ وَالْقُوَّةِ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ تَنْفِيرٌ مِنَ الرِّبَا وَتَبْشِيعٌ لِحَالِ آكِلِهِ. وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ: الْأَخْذُ لِأَجْلِ التَّصَرُّفِ، وَأَكْثَرُ مَكَاسِبِ النَّاسِ تُنْفَقُ فِي الْأَكْلِ، وَمَنْ تَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ يُقَالُ أَكَلَهُ وَهَضَمَهُ، أَيْ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ تَمَامَ التَّصَرُّفِ حَتَّى لَا مَطْمَعَ فِي رَدِّهِ. وَالرِّبَا فِي اللُّغَةِ: الزِّيَادَةُ، يُقَالُ: رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو إِذَا زَادَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ الرَّابِيَةُ، وَالرَّبْوَةُ لِمَا عَلَا مِنَ الْأَرْضِ فَزَادَ عَلَى مَا حَوْلَهُ. وَتَعْرِيفُ الرِّبَا لِلْعَهْدِ، أَيْ لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا الَّذِي عَهِدْتُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَتَفْسِيرِ آيَةِ آلِ عِمْرَانَ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ قَالَ: وَكَانَ أَكْلُهُمْ ذَلِكَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مَالٌ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَيَقُولُ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ: أَخِّرْ عَنِّي دِينَكَ وَأَزِيدُكُ عَلَى مَالِكَ فَيَفْعَلَانِ ذَلِكَ، فَذَلِكَ هُوَ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَنَهَاهُمُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي إِسْلَامِهِمْ عَنْهُ، اهـ. وَذَكَرَ وَقَائِعَ لِلْجَاهِلِيَّةِ فِي ذَلِكَ سَنَنْقُلُهَا عَنْهُ فِي مَوْضِعِهَا.
وَأَمَّا قِيَامُ آكِلِي الرِّبَا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ: الْمُرَادُ: تَشْبِيهُ الْمُرَابِي فِي الدُّنْيَا بِالْمُتَخَبِّطِ الْمَصْرُوعِ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يُصْرَعُ بِحَرَكَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدْ جُنَّ. أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَلَكِنْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى خِلَافِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ: الْقِيَامُ مِنَ الْقَبْرِ عِنْدَ الْبَعْثِ، وَأَنَّ اللهَ - تَعَالَى - جَعَلَ مِنْ عَلَامَةِ الْمُرَابِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ كَالْمَصْرُوعِينَ. وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، بَلْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا: " إِيَّاكَ وَالذُّنُوبَ الَّتِي لَا تُغْفَرُ: الْغُلُولُ فَمَنْ غَلَّ شَيْئًا أَتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالرِّبَا فَمَنْ أَكَلَ الرِّبَا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَجْنُونًا يَتَخَبَّطُ " أَقُولُ: وَالْمُتَبَادَرُ إِلَى جَمِيعِ الْأَفْهَامِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ ; لِأَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ الْقِيَامَ انْصَرَفَ إِلَى النُّهُوضِ الْمَعْهُودِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 79
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست