responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 80
فِي الْأَعْمَالِ، وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَعْثُ. وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ قَوْلٍ فِي سَنَدِهِ وَهِيَ لَمْ تَنْزِلْ مَعَ الْقُرْآنِ وَلَا جَاءَ الْمَرْفُوعُ مِنْهَا مُفَسِّرًا لِلْآيَةِ، وَلَوْلَاهَا لَمَا قَالَ أَحَدٌ بِغَيْرِ الْمُتَبَادَرِ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَّا مَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ صِحَّتُهُ فِي الْوَاقِعِ. وَكَانَ الْوَضَّاعُونَ الَّذِينَ يَخْتَلِقُونَ الرِّوَايَاتِ يَتَحَرَّوْنَ
فِي بَعْضِهَا مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ ظَاهِرُهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَيَضَعُونَ لَهُ رِوَايَةً يُفَسِّرُونَهُ بِهَا وَقَلَّمَا يَصِحُّ فِي التَّفْسِيرِ شَيْءٌ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
أَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ ظَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ فَتَنَهُمُ الْمَالُ وَاسْتَعْبَدَهُمْ حَتَّى ضَرِيَتْ نُفُوسُهُمْ بِجَمْعِهِ وَجَعَلُوهُ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَتَرَكُوا لِأَجْلِ الْكَسْبِ بِهِ، جَمِيعَ مَوَارِدِ الْكَسْبِ الطَّبِيعِيِّ، تَخْرُجُ نُفُوسُهُمْ عَنِ الِاعْتِدَالِ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَرَكَاتِهِمْ وَتَقَلُّبِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ، كَمَا تَرَاهُ فِي حَرَكَاتِ الْمُولَعِينَ بِأَعْمَالِ الْبُورْصَةِ وَالْمُغْرَمِينَ بِالْقِمَارِ يَزِيدُ فِيهِمُ النَّشَاطُ وَالِانْهِمَاكُ فِي أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يَكُونَ خِفَّةً تَعْقُبُهَا حَرَكَاتٌ غَيْرُ مُنْتَظِمَةٍ، وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ حَرَكَاتِهِمْ وَبَيْنَ تَخَبُّطِ الْمَمْسُوسِ، فَإِنَّ التَّخَبُّطَ مِنَ الْخَبْطِ وَهُوَ ضَرْبٌ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ، وَكَخَبْطِ الْعَشْوَاءِ، وَبِهَذَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، ذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَا شَنَّعَ بِهِ عَلَى الْمُرَابِينَ مِنْ خُرُوجِ حَرَكَاتِهِمْ عَنِ النِّظَامِ الْمَأْلُوفِ هُوَ أَثَرُ اضْطِرَابِ نُفُوسِهِمْ وَتَغَيُّرِ أَخْلَاقِهِمْ كَانَ لَا بُدَّ أَنْ يُبْعَثُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَرْءَ يُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ، وَهُنَاكَ تَظْهَرُ النَّفْسُ الْخَسِيسَةُ فِي أَقْبَحِ مَظَاهِرِهَا، كَمَا تَتَجَلَّى صِفَاتُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ فِي أَبْهَى مَجَالِيهَا.
ثُمَّ إِنَّ التَّشْبِيهَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَصْرُوعَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَمْسُوسِ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ، أَيْ أَنَّهُ يُصْرَعُ بِمَسِّ الشَّيْطَانِ لَهُ وَهُوَ مَا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ وَجَارِيًا فِي كَلَامِهِمْ مَجْرَى الْمَثَلِ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي التَّشْبِيهِ: " وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْبِطُ الْإِنْسَانَ فَيُصْرَعُ، وَالْخَبْطُ: ضَرْبٌ عَلَى غَيْرِ اتِّسَاقٍ كَخَبْطِ الْعَشْوَاءِ ". اهـ. وَتَبِعَهُ أَبُو السُّعُودِ كَعَادَتِهِ، فَذَكَرَ عِبَارَتَهُ بِنَصِّهَا، فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا لَا تُثْبِتُ أَنَّ الصَّرْعَ الْمَعْرُوفَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الشَّيْطَانِ حَقِيقَةً وَلَا نَنْفِي ذَلِكَ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ، أَنْكَرَ الْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ فِي الْإِنْسَانِ غَيْرُ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْوَسْوَسَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ سَبَبَ الصَّرْعِ مَسُّ الشَّيْطَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فِيهِ - وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ أَطِبَّاءِ هَذَا الْعَصْرِ أَنَّ الصَّرْعَ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْعَصَبِيَّةِ الَّتِي تُعَالَجُ كَأَمْثَالِهَا بِالْعَقَاقِيرِ وَغَيْرِهَا مِنْ طُرُقِ الْعِلَاجِ الْحَدِيثَةِ، وَقَدْ يُعَالَجُ بَعْضُهَا بِالْأَوْهَامِ، وَهَذَا لَيْسَ بُرْهَانًا قَطْعِيًّا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْخَفِيَّةَ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْجِنِّ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهَا نَوْعُ اتِّصَالٍ بِالنَّاسِ الْمُسْتَعِدِّينَ لِلصَّرْعِ، فَتَكُونُ مِنْ أَسْبَابِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ،
وَالْمُتَكَلِّمُونَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْجِنَّ أَجْسَامٌ حَيَّةٌ خَفِيَّةٌ لَا تُرَى، وَقَدْ قُلْنَا فِي (الْمَنَارِ) غَيْرَ مَرَّةٍ: إِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَجْسَامَ الْحَيَّةَ الْخَفِيَّةَ الَّتِي عُرِفَتْ فِي هَذَا الْعَصْرِ بِوَاسِطَةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 80
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست