responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 123
مَوْضِعِهِ، وَذَلِكَ مِنَ الْعَوَارِضِ الطَّارِئَةِ الَّتِي تَكْثُرُ بِتَرْكِ مُقَوِّمَاتِ الْفِطْرَةِ وَحَوَافِظِهَا مِنْ نُذُرِ الدِّينِ وَقَضَايَا الْعَقْلِ وَآدَابِ الِاجْتِمَاعِ، وَلَقَدْ كُنْتُ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ - لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ مِصْرَ - أَظُنُّ أَنَّ الزِّنَا لَا يَكَادُ يَقَعُ إِلَّا نَادِرًا مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الْجَاهِلِينَ، وَهَذَا مَا يَعْتَقِدُهُ كُلُّ مَنْ يَنْشَأُ فِي بِيئَةٍ تَغْلُبُ فِيهَا الْعِفَّةُ، وَلَمْ يَعْرِفْ حَالَ غَيْرِهَا وَلَا أَخْبَارَ الشَّاذِّينَ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ فِطْرِيًّا لَشَعَرَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ نَفْسِهِ بِالْحَاجَةِ إِلَيْهِ، كَمَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ فِي حَاجَةٍ إِلَى زَوْجٍ يَتَّحِدُ بِهِ، وَلَعَلَّ مَا أَوْرَدْنَاهُ كَافٍ لِلْمُتَدَبِّرِ، وَلَا يَتَّسِعُ التَّفْسِيرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ.
بَيَّنَ اللهُ - تَعَالَى - لَنَا شَأْنَ الْمُؤْمِنِ فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ثُمَّ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِمَا يُلِمُّ بِهِ أَوْ يَتَّهِمُ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ التَّقْصِيرِ، وَفَضْلَهُ وَمِنَّتَهُ فِي عَدَمِ تَكْلِيفِ النَّفْسِ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهَا، ثُمَّ عَلَّمَنَا هَذَا الدُّعَاءَ لِنَدْعُوَهُ بِهِ وَهُوَ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا فَتَرَكْنَا مَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ أَوْ فَعَلْنَا مَا يَجِبُ تَرْكُهُ، أَوْ جِئْنَا بِالشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ أَنْ يُؤَاخَذَ عَلَيْهِمَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْوَجْهِ فِيهِ. وَالْمُؤَاخَذَةُ: الْمُعَاقَبَةُ، وَهِيَ مِنَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُرَادُ عِقَابُهُ يُؤْخَذُ بِيَدِ الْقَهْرِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ وَالْمُخْطِئَ لَا إِرَادَةَ لَهُمَا فِيمَا فَعَلَاهُ نِسْيَانًا أَوْ خَطَأً، وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ
وَالْكَلَامِ، وَيَتْبَعُهُ مِنَ الْمُنَاقَشَاتِ مَا يَبْعُدُ بِهِ عَنْ حُدُودِ الْأَفْهَامِ، وَإِذَا رَجَعَ الْإِنْسَانُ إِلَى نَفْسِهِ وَتَأَمَّلَ الْأَمْرَ فِي ذَاتِهِ عَلِمَ أَنَّ النَّاسِيَ يَصِحُّ أَنْ يُؤَاخَذَ فَيُقَالَ لَهُ لِمَ نَسِيتَ؟ فَإِنَّ النِّسْيَانَ قَدْ يَكُونُ مِنْ عَدَمِ الْعِنَايَةِ بِالشَّيْءِ وَتَرْكِ إِجَالَةِ الْفِكْرِ فِيهِ وَتَرْدِيدِهِ فِي النَّفْسِ لِيَسْتَقِرَّ فِي الذَّاكِرَةِ، فَتُبْرِزَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ; وَلِذَلِكَ يَنْسَى الْإِنْسَانُ مَا لَا يُهِمُّهُ وَيَحْفَظُ مَا يُهِمُّهُ، فَإِذَا كَانَ النِّسْيَانُ غَيْرَ اخْتِيَارِيٍّ فَسَبَبُهُ الَّذِي بَيَّنَاهُ آنِفًا اخْتِيَارِيٌّ، وَلِذَلِكَ يُؤَاخِذُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالنِّسْيَانِ لَا سِيَّمَا نِسْيَانُ الْأَدْنَى لِمَا يَأْمُرُهُ بِهِ الْأَعْلَى، فَإِذَا عَهِدْتَ إِلَى مَنْ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ أَوْ فَضْلٌ بِأَنْ يَفْعَلَ كَذَا أَوْ يَجِيئَكَ فِي يَوْمِ كَذَا فَنَسِيَ وَلَمْ يَمْتَثِلْ فَإِنَّكَ تَسْأَلُهُ وَتُؤَاخِذُهُ بِمَا تَرْمِيهِ بِهِ مِنَ الْإِهْمَالِ وَعَدَمِ الْعِنَايَةِ بِأَمْرِكَ، وَقَدْ آخَذَ اللهُ آدَمَ عَلَى ذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ فِيهِ: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [20: 115] وَقَالَ فِي جَوَابِ مَنْ يَسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَبَّهُ لِمَ حَشَرَهُ أَعْمَى؟ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [20: 126] وَقَالَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [5: 13] وَفِي الْآيَةِ: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [5: 14] وَهُنَاكَ آيَةٌ أُخْرَى، وَقَدْ فُسِّرَ النِّسْيَانُ فِيهَا بِالتَّرْكِ الَّذِي هُوَ لَازِمُهُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ هُنَا أَيْضًا لَازِمُهُ، وَهُوَ تَرْكُ الِامْتِثَالِ. وَكَذَلِكَ الْخَطَأُ يَنْشَأُ مِنَ التَّسَاهُلِ وَعَدَمِ الِاحْتِيَاطِ وَالتَّرَوِّي، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَتِ الشَّرِيعَةُ الضَّمَانَ فِي إِتْلَافِ الْخَطَأِ وَالدِّيَةَ فِي جِنَايَتِهِ، فَإِنْ أَرَادَ امْرُؤٌ أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا فَأَصَابَ إِنْسَانًا فَقَتَلَهُ كَانَ مُؤَاخَذًا فِي الشَّرِيعَةِ، وَكَذَا فِي الْقَوَانِينِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 3  صفحه : 123
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست