responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 88
أَنْ تُرْجِعَ فِي كُلِّ عَصْرٍ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْمُسْتَنْبِطِينَ إِلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ بِعَرْضِهِ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ صَرِيحَانِ فِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إِلَّا إِذَا تَوَلَّى الْعَقْدَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ بِرِضَاهَا أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى هَذَا عَمَلًا، وَنُقِلَ عَنْ أَعْلَمِهِمْ قَوْلًا، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ فِيهِ خِلَافًا صَحِيحًا، فَإِذَا وُجِدَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ وَهُوَ أَنَّ لِلْبَالِغَةِ الرَّاشِدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلنُّصُوصِ أَفَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ - وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - أَنْ يَعْرِضُوهَا عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَسَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَيَرُدُّوا الرِّوَايَةَ الْمُخَالِفَةَ وَيَعْمَلُوا بِالْمُوَافِقَةِ؟ بَلَى ; وَلَكِنَّ التَّقْلِيدَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُمْ فِي الشِّقَاقِ الْبَعِيدِ.
وَيَتَوَهَّمُ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَرْكَ أَقْوَالِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ إِهَانَةٌ لَهُمْ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ هُوَ عَيْنُ التَّعْظِيمِ لَهُمْ، وَالِاتِّبَاعِ لِسِيرَتِهِمُ الْحَسَنَةِ. وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ إِهَانَةٌ - وَكَانَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ هَدْيِ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - أَفَلَا تَكُونُ وَاجِبَةً وَيَكُونُ تَعْظِيمُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لِأَنَّ إِهَانَتَهَا كُفْرٌ وَتَرْكٌ لِلدِّينِ؟ عَلَى أَنَّ تَرْكَ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ وَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ، فَإِنَّ أَتْبَاعَ كُلِّ إِمَامٍ تَارِكُونَ لِأَقْوَالِ غَيْرِهِ الْمُخَالِفَةِ لِمَذْهَبِهِمْ ; بَلْ مَا مِنْ مَذْهَبٍ إِلَّا وَقَدْ رَجَّحَ بَعْضُ عُلَمَائِهِ أَقْوَالًا مُخَالِفَةً لِنَصِّ الْإِمَامِ وَلَا سِيَّمَا الْحَنَفِيَّةُ.
هَذَا - وَإِنَّ الْكِتَابَ لَا مَثَارَ فِيهِ لِلْخِلَافِ وَالنِّزَاعِ إِذَا صَحَّتِ النِّيَّةُ، فَكُلُّ مَنْ يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ تَعَلُّمًا صَحِيحًا وَيَنْظُرُ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ وَسِيرَتِهِ وَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينِ لَهُمْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْهَمَهُ، وَمَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَفْهَامُ لَا يَقْتَضِي الشِّقَاقَ،
بَلْ يَسْهُلُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ أَنْ يَنْظُرُوا فِي الْفَهْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَطُرُقِ التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا، وَمَا ظَهَرَ لِكُلِّهِمْ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَنَّهُ الرَّاجِحُ يَعْتَمِدُونَهُ إِذَا كَانَ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ وَالْأَحْكَامِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهَا، وَمَا عَسَاهُ يَنْفَرِدُ بِهِ بَعْضُ الْأَفْرَادِ مِنْ فَهْمٍ خَاصٍّ بِمَعَارِفِهِ يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي شِقَاقًا ; لِأَنَّ الشِّقَاقَ فِيهِ مَعْنَى الْمُشَارَكَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
وَأَزِيدُ هَذَا إِيضَاحًا بِمَا حَقَّقْتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ الطَّبْعَةِ الْأُولَى لِهَذَا الْجُزْءِ، وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ مِنَ النُّصُوصِ فَهُوَ الشَّرْعُ الْعَامُّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعُهُ عَمَلًا وَقَضَاءً، وَأَنَّ مَا كَانَ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْأَفْرَادِ فِي التَّعَبُّدَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ فِي الْأَحْكَامِ الْقَضَائِيَّةِ، وَسَنَعُودُ إِلَى بَيَانِ هَذَا فِي تَفْسِيرِ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) (2: 219) مِنْ هَذَا الْجُزْءِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 88
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست