responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 87
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَالُ أُولَئِكَ الْجَاحِدِينَ الْمُعَانِدِينَ - الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَاتَّخَذُوا إِلَهَهُمُ الْهَوَى، وَوَاثَبُوا الْحَقَّ يُقَارِعُهُمْ وَيُقَارِعُونَهُ، وَنَاصَبُوا الدَّلِيلَ يُنَازِعُهُمْ وَيُنَازِعُونَهُ - بِحَالِ الَّذِي يَتَقَحَّمُ فِي النَّارِ، وَيُكْرِهُ نَفْسَهُ عَلَى الِاصْطِبَارِ، كَمَا يَتَمَثَّلُ ذَلِكَ الثَّمَنُ الْقَلِيلُ الَّذِي بَاعُوا بِهِ الْحَقَّ نَارًا يَزْدَرِدُونَهَا، إِذْ كَانَ آلَامًا يَتَحَمَّلُونَهَا ; فَمُكَابَرَةُ الْبُرْهَانِ أَشَدُّ الْعَذَابِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ، وَمُحَارَبَةُ الْقَلْبِ (الضَّمِيرِ وَالْوِجْدَانِ) أَوْجَعُ الْآلَامِ عِنْدَ الْفُضَلَاءِ، فَالْعَاقِلُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَكْثَرِ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ عَقْلَهُ الْعِلْمَ وَذِهْنَهُ الْفَهْمَ، فَقَدْ قِيلَ (لِدِيُوجِينَ) : لَا تَسْمَعْ، فَسَدَّ أُذُنَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: لَا تُبْصِرْ، فَأَغْمَضَ عَيْنَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: لَا تَذُقْ، فَقَبِلَ. فَقِيلَ لَهُ: لَا تَفْهَمْ. فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ. فَلَا غَرْوَ إِذَا مُثِّلَتْ لِلنَّبِيِّ حَالُ أُولَئِكَ الْمُكَابِرِينَ لِلْحَقِّ مِمَّا ذُكِرَ وَأَظْهَرَتْهُ الْبَلَاغَةُ بِصِيغَةِ التَّعَجُّبِ تَارَةً، وَبِصُورَةِ أَكْلِ النَّارِ تَارَةً.
قَالَ تَعَالَى فِي تَعْلِيلِ مَا ذُكِرَ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) أَيْ: ذَلِكَ الْحُكْمُ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي شَأْنِهِمْ هُوَ بِسَبَبِ أَنَّ الْكِتَابَ جَاءَ بِالْحَقِّ، وَالْحَقُّ لَا يُغَالَبُ وَلَا يُقَاوَى، فَمَنْ غَالَبَهُ غُلِبَ، وَمَنْ خَذَلَهُ خُذِلَ. ثُمَّ قَالَ: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) أَيْ: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَهُ اللهُ لِلْحُكْمِ فِي الْخِلَافِ وَجَمْعِ الْكَلِمَةِ عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ لَفِي شِقَاقٍ وَعَدَاءٍ بِعِيدٍ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ فَأَنَّى يَهْتَدُونَ إِلَيْهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُخَالِفُ الْآخَرَ بِمَا ابْتَدَعَهُ مِنْ مَذْهَبٍ أَوْ رَأْيٍ فِيهِ حَتَّى صَارَ (أَيِ الْكِتَابُ) وَهُوَ مُزِيلُ الِاخْتِلَافِ - أَعْظَمَ أَسْبَابِهِ، يُطْرَقُ لِأَجْلِ إِزَالَتِهِ وَالْحُكْمِ فِيهِ كُلُّ بَابٍ غَيْرُ بَابِهِ؟ وَالشِّقَاقُ: الْخِلَافُ وَالتَّعَادِي، وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ فِي شِقٍّ أَيْ فِي جَانِبٍ غَيْرِ الَّذِي فِيهِ الْآخَرُ، وَالْمُخْتَلِفُونَ فِي الدِّينِ يَنْأَى كُلٌّ بِجَانِبِهِ عَنِ الْآخَرِ فَيَكُونُ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا بَعِيدًا كَمَا تَرَى.
هَذَا حُكْمٌ آخَرُ فِي الْكِتَابِ غَيْرُ حُكْمِ كِتْمَانِهِ، فَهُوَ يُفْهِمُنَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ بُعْدٌ عَنِ الْحَقِّ كَكِتْمَانِهِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْكِتَابُ، وَالْمُخْتَلِفُونَ لَا يَدْعُونَ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَا يَسْلُكُونَ سَبِيلًا وَاحِدَةً. (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تُتْبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (6: 153) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ
الْإِلَهِيِّ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى خِلَافٍ فِي الدِّينِ، وَلَا أَنْ يَكُونُوا شِيَعًا كُلٌّ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَبٍ (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (6: 159) وَلَمَّا كَانَ اخْتِلَافُ الْفَهْمِ ضَرُورِيًّا لِأَنَّهُ مِنْ طِبَاعِ الْبَشَرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَحَاكَمُوا فِيهِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَتَّى يَزُولَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ.
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ 4: 59) فَلَا عُذْرَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ الَّذِي جَعَلَ لِكُلِّ مُشْكِلٍ مَخْرَجًا.
الشِّقَاقُ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِلِاخْتِلَافِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْأُمَّةِ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِلتَّقْلِيدِ وَالِانْتِصَارِ لِلرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ اتُّخِذُوا أَنْدَادًا - وَلَوْ بِدُونِ رِضَاهُمْ وَلَا إِذْنِهِمْ - إِذْ لَوْلَا التَّقْلِيدُ لَسَهُلَ عَلَى الْأُمَّةِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 87
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست