responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 241
الْبِدَعِ الْمَشَيَّدَةِ، وَإِنَّمَا أَبْقَى عَلَى تِلْكَ الرُّسُومِ تَمَسُّكُ الْعَوَامِّ بِهَا، فَلَوْلَاهُمْ لَمَا بَالَى بِهَا الْأُمَرَاءُ وَالرُّؤَسَاءُ الَّذِينَ لَا قِوَامَ لِعَظْمِهِمْ إِلَّا خُضُوعُ الْعَامَّةِ لَهُمْ; لِذَلِكَ جَعَلُوا الدِّينَ رَابِطَةً سِيَاسِيَّةً وَآلَةً لِإِخْضَاعِ الْعَامَّةِ، وَلِذَلِكَ يُحَارِبُونَ مَنْ يَدْعُو الْأُمَّةَ إِلَى الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَيَسْتَعِينُونَ عَلَيْهِ بِعُلَمَاءِ الرُّسُومِ الَّذِينَ يَسْتَمِدُّونَ سُلْطَتَهُمْ وَرِزْقَهُمْ وَجَاهَهُمْ مِنْهُمْ; لِئَلَّا تَتَوَجَّهَ نُفُوسُ الْجُمْهُورِ إِلَى الْكِتَابِ; فَيَعْرُو رِيَاسَتَهُمُ الزِّلْزَالُ وَالِاضْطِرَابُ.
هَذَا هُوَ الْحِجَابُ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَبَيْنَ الِاعْتِبَارِ بِالْقُرْآنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهَدْيهِ. الْمُسْلِمُ الْعَارِفُ بِتَارِيخِ دِينِهِ يَعْرِفُ قِيمَةَ أَصْحَابِ الرَّسُولِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُ
الْعَامِّيُّ الْمُقَلِّدُ يُعَظِّمُهُمْ فِي خَيَالِهِ وَشُعُورِهِ أَشَدُّ مِمَّا يُعَظِّمُهُمُ الْعَارِفُ فِي فِكْرِهِ وَقَلْبِهِ، حَتَّى إِنَّ الْكَثِيرِينَ أَوِ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَكَادُونَ يَرْفَعُونَهُمْ عَنْ مَرْتَبَةِ الْبَشَرِ، وَيَكَادُ تَعْظِيمُهُمْ إِيَّاهُمْ يُشْبِهُ الْعِبَادَةَ، وَلَكِنْ مَا بَالُ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ لَا يَعْتَبِرُونَ بِمَا خَاطَبَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَا يَتَأَلَّمُونَ كَيْفَ عَاتَبَهُمُ اللهُ تَعَالَى هَذَا الْعِتَابَ الشَّدِيدَ عَلَى ظَنِّهِمْ وَحُسْبَانِهِمْ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَهُمْ لَمْ يُقَاسُوا مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَاحْتِمَالِ الشَّدَائِدِ فِي سَبِيلِهِ مَا قَاسَى الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ بِالْإِيمَانِ، حَتَّى اسْتَحَقُّوا الْجَنَّةَ؟ يَقُولُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ الْآيَةَ عِتَابٌ لَهُمْ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهَا إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِ. فَكَيْفَ لَا يُنْكِرُ مُسْلِمٌ عَلَى نَفْسِهِ مِثْلَ هَذَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ دُونَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ إِيمَانًا وَإِسْلَامًا وَدَعْوَةً إِلَى الْحَقِّ وَصَبْرًا عَلَى الْمَكَارِهِ فِي سَبِيلِهِ؟ لِمَاذَا لَا يُنْكِرُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ يَرَاهُ مِنْ أَمْثَالِهِ الَّذِينَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ، فَإِذَا أُوذِيَ أَحَدُهُمْ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ، وَآثَرَ مَا عِنْدَ النَّاسِ عَلَى مَا عِنْدَ اللهِ؟ بَلْ لِمَاذَا لَا يُنْكِرُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى مَنْ يَرَاهُمْ لَا هَمَّ لَهُمْ إِلَّا زِينَةَ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالِاسْتِكْثَارَ مِنَ الْمَالِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَالِانْبِسَاطَ فِي الْأَرْضِ وَلَوْ بِالْبَغْيِ فِي الْأَرْضِ وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى حُقُوقِ الْجِيرَانِ وَغَيْرِهِمْ؟
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَغُشُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَيَغُشُّونَ النَّاسَ بِدَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ، وَغُرُورِهِمْ بِالِانْتِسَابِ إِلَى الْإِسْلَامِ، كَانُوا بِدْعًا مِنَ النَّاسِ بِجَهْلِهِمْ وَأَمَانِيِّهِمْ؟ كَلَّا إِنَّ هَذِهِ كَانَتْ حَالَ كُلِّ أُمَّةٍ طَالَ عَلَيْهَا الْأَمَدُ بَعْدَ زَمَنِ الْبَعْثَةِ، فَقَسَتْ مِنْ أَفْرَادِهَا الْقُلُوبُ، وَفَسَقُوا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَلَمْ يَزِنُوا إِيمَانَهُمْ وَلَا إِسْلَامَهُمْ بِالْمِيزَانِ الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ لِيَمِيزَ بِهِ الرَّاجِحَ وَالطَّائِشَ، وَبِهِ حَكَمَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّينَ وَأَتْبَاعِهِمْ بِمَا قَرَأْتَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَمَا ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا.
وَإِنَّمَا الْبِدْعُ الْغَرِيبُ، وَالْأَمْرُ الْعَجِيبُ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ لَهُ نَظِيرٌ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، هُوَ مَا نَرَاهُ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنْ تَصَدِّي أُنَاسٍ لِدَعْوَى نَصْرِ الدِّينِ وَالزَّعَامَةِ فِيهِ وَحِفْظِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 241
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست