responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 222
وَانْتِهَاكِهِمْ حُرْمَةَ مَا أَمَرَ اللهُ بِرِعَايَةِ حُرْمَتِهِ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ وَحْدَةُ الْأُمَّةِ وَحْدَةً فِي الْبَاطِلِ حَتَّى يَرِدَ الْحَقُّ عَلَيْهِ فَيُزْهِقَهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتِ الْأُمَّةُ وَاحِدَةً فِي الْهُدَى وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ فَلَا مَعْنَى لَجَعْلِ بِعْثَةِ الرُّسُلِ مُتَرَتِّبَةً عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَدَفَعُوا مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ آدَمَ كَانَ نَبِيًّا وَكَانَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَنْ بَقِيَ عَلَى شَرِيعَتِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْبَاطِلِ؟ (دَفَعُوهُ) بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَالِبِ فَقَدْ كَانَ النَّاسُ لِعَهْدِ نُوحٍ كُفَّارًا إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنَّهُ يُقَالُ دَارُ كُفْرٍ لِمَنْ كَانَ أَغْلَبُ سُكَّانِهَا كُفَّارًا وَإِنْ كَانَ فِيهَا مُسْلِمُونَ، وَقَدْ يُجَابُ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ تَخْصِيصِ النَّبِيِّينَ بِمَا بَعْدَ آدَمَ وَنُوحٍ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى كَمَا تَرَاهُ لَيْسَ مِمَّا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ النَّفْسُ بَعْدَ النَّظَرِ إِلَى آدَمَ وَرِسَالَتِهِ، وَمَنْ بَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِ عَلَى مِلَّتِهِ.
وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ وَحْدَةَ الْأُمَّةِ كَانَتْ فِيمَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ مِنَ الْأَخْذِ بِمَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ الْعَقْلُ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ، فَكَانَ النَّاسُ يَهْتَدُونَ بِعُقُولِهِمْ وَالنَّظَرِ الْمَحْضِ فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَوُجُوبِ شُكْرِهِ، ثُمَّ كَانُوا يُمَيِّزُونَ الْحَسَنَ مِنَ الْقَبِيحِ، وَالْبَاطِلَ مِنَ الصَّحِيحِ بِالنَّظَرِ فِي الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ، أَوِ الِاتِّفَاقِ مَعَ مَا يَلِيقُ بِاللهِ عَلَى حَسَبِ مَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ الْعَقْلُ أَوْ مَا لَا يَلِيقُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ اسْتِسْلَامَ النَّاسِ إِلَى عُقُولِهِمْ بِدُونِ هِدَايَةٍ إِلَهِيَّةٍ مِمَّا يَدْعُو إِلَى الِاخْتِلَافِ، بَلْ كَثِيرًا مَا حَالَتِ الْأَوْهَامُ دُونَ الْوُصُولِ إِلَى الْمُرَادِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَحْكَامِ، فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ مَفْهُومًا مِنْ مَعْنَى الْوَحْدَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَمَا سَبَقَهُ; وَلِهَذَا رَتَّبَ عَلَيْهَا بَعْثَةَ الْأَنْبِيَاءِ لِيَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ. وَقَدْ أَوْرَدَ الْقَاضِي عَلَى نَفْسِهِ مَسْأَلَةَ آدَمَ وَرِسَالَتِهِ، وَأَجَابَ عَنْهَا بِأَنَّهُ: مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَأَوْلَادُهُ قَدْ بَدَأَ أَمْرُهُمْ عَلَى سُنَّةِ الْفِطْرَةِ فَكَانُوا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ كَثُرَ أَوْلَادُهُ، وَظَهَرَ أَنَّ هِدَايَةَ الْعَقْلِ وَحْدَهُ لَا تَكْفِي فِي حِفْظِ سَلَامَةِ الْقُلُوبِ، وَلِإِصْلَاحِ الْأَعْمَالِ أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَيْهِمْ بِهِدَايَةٍ إِلَهِيَّةٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنَّهُ مِنَ الْمُحْتَمَلِ بَلْ يَكَادُ يَكُونُ مِنَ الْمُحَقَّقِ أَنَّهُ طَرَأَ عَلَى نَسْلِ آدَمَ مَا أَنْسَاهُمْ شَرْعُهُ فَعَادُوا إِلَى اسْتِعْمَالِ عُقُولِهِمْ وَحْدَهَا فَعَادَتْ إِلَيْهِمُ الْوَحْدَةُ فِيمَا يُؤَدِّي إِلَى الِاخْتِلَافِ، فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ إِلَخْ.
وَتَوَقَّفَ قَوْمٌ فِي مَعْنَى الْأُمَّةِ وَقَالُوا: لَا حَاجَةَ إِلَى الْبَحْثِ فِي أَنَّهَا كَانَتْ أُمَّةَ هِدَايَةٍ أَوْ أُمَّةَ ضَلَالٍ أَوْ أُمَّةَ عَقْلٍ، وَهُوَ قَوْلٌ غَايَةٌ فِي الْغَرَابَةِ; لِأَنَّهُ ذَهَابٌ إِلَى تَرْكِ فَهْمِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَمَعْنَى تَرْتِيبِ بَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى وَحْدَةِ الْأُمَّةِ، اللهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ قَدْ أَرَادَ مَا سَيَأْتِي لَنَا ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ وَنُقِلَ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ النَّاسَ هُمْ آدَمُ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ كَانَ أُمَّةً يُقْتَدَى بِهِ، وَلَا نَدْرِي مَاذَا يَقُولُ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِي تَفْسِيرِ بَقِيَّةِ الْآيَةِ! نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخِذْلَانِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 222
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست