responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 221
وَقَدْ حَمَلَ جُمْهُورٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ لَفْظَ الْأُمَّةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمِلَّةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَ كَانَتِ الْمِلَّةُ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: إِنَّهَا مِلَّةُ الْهُدَى وَالدِّينِ الْقَوِيمِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ فِي رَأْيِهِمْ (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً) أَيْ: مِلَّةً (وَاحِدَةً) قَيِّمَةَ الدِّينِ صَحِيحَةَ الْعَقَائِدِ، جَارِيَةً فِي أَعْمَالِهَا عَلَى أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) وَلَمَّا وَجَدُوا أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَكُونُ قَوِيمًا; لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَى الْأُمَمِ الصَّالِحَةِ الْمُهْتَدِيَةِ لِيَحْكُمُوا بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، إِذْ لَا يَتَأَتَّى الِاخْتِلَافُ الَّذِي يَحْتَاجُ فِي رَفْعِهِ إِلَى رِسَالَةِ الرُّسُلِ مَعَ
اسْتِقَامَةِ الْعَمَلِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ الشَّرَائِعِ، قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ فِي الْعِبَارَةِ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْمُقَدَّرَةِ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ: (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) وَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ تَقُولَ: كَانَ زَيْدٌ عَالِمًا فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ مَا كَانَ نَسِيَهُ مِنْ مَعْلُومَاتِهِ، أَوْ كَانَ عَامِلًا فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ مَنْ يَعِظُهُ فِي الْعَوْدِ إِلَى مَا تَرَكَ مِنْ عَمَلِهِ، وَتَقُولُ: إِنَّ كَلَامِي عَلَى تَقْدِيرِ كَانَ عَالِمًا فَنَسِيَ أَوْ كَانَ عَامِلًا فَتَرَكَ الْعَمَلَ فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ أَوْ أَرْسَلْتُ إِلَيْهِ إِلَخْ. وَهُوَ مِمَّا لَا يَقْبَلُهُ ذَوْقٌ عَرَبِيٌّ، فَإِذَا كُنْتَ لَا تَرَاهُ لَائِقًا بِكَلَامِكَ فَكَيْفَ تَجِدُهُ لَائِقًا بِكَلَامِ اللهِ أَبْلَغِ الْكَلَامِ، وَأَوْلَى قَوْلٍ يَمْلِكُ الْعُقُولَ وَالْأَفْهَامَ؟ ! وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ نَبِيًّا وَكَانَ أَوْلَادُهُ عَلَى مِلَّتِهِ هَادِينَ إِلَى أَنْ وَقْعَ التَّحَاسُدَ بَيْنَ وَلَدَيْهِ، وَكَانَ مِنْ قَتْلِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَالدِّينِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا يَعْرِضُ لَهُ مَا يَنْحَرِفُ بِهِ عَنِ الْفِطْرَةِ مِنْ تَحَكُّمِ الْأَهْوَاءِ، وَإِغْوَاءِ الشَّهَوَاتِ، وَرَيْنِ الشُّبُهَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا رَيْبَ يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ طَوْرٌ أَوَّلُ، كَانَ فِيهِ خَيْرًا عَادِلًا وَاقِفًا عِنْدَ الْحَقِّ فِيمَا يَعْتَقِدُ وَمَا يَعْمَلُ، ثُمَّ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَا يُعْرَضُ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى الشَّرِّ وَالْقَبِيحِ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ لَا تُغَيِّرُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مُخْتَصًّا بِتَأْلِيفِ الْكَلَامِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَى أَوْلَادِ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ أَطْوَارٌ كَثِيرَةٌ بَلَغَ بِهِمُ الْجَهْلُ فِي بَعْضِهَا أَنْ كَانُوا مِلَّةً وَاحِدَةً فِي الْكُفْرِ وَفَسَادِ الْأَعْمَالِ، كَمَا كَانَتِ الْحَالُ لِعَهْدِ نُوحٍ وَعَهْدِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعْدِهِ، وَالْآيَةُ لَمْ تُحَدِّدْ زَمَنَ ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)) ، وَغَايَةُ مَا فِي الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّونَ الْمَبْعُوثُونَ مَخْصُوصِينَ بِغَيْرِ آدَمَ أَوْ نُوحٍ مَثَلًا إِذَا حَمَلْتَ الْأُمَّةَ الْوَاحِدَةَ عَلَى أُمَّةِ الضَّلَالِ، وَمِلَّةِ الْفَسَادِ وَالِاعْتِلَالِ.
وَلِذَلِكَ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَفِي مُقَدِّمَتِهِمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ إِلَى أَنَّ الْأُمَّةَ الْوَاحِدَةَ أُمَّةُ الضَّلَالِ الَّتِي لَا تَهْتَدِي بِحَقٍّ وَلَا تَقِفُ فِي أَعْمَالِهَا عِنْدَ حَدِّ شَرِيعَةٍ، وَاحْتَجُّوا عَلَى قَوْلِهِمْ بِهَذَا التَّعَقُّبِ فِي الْآيَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ بِعْثَةَ الرُّسُلِ تَابِعَةً لِوَحْدَةِ الْأُمَّةِ، وَلَا تَكُونُ كَذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ تِلْكَ الْوَحْدَةُ قَاضِيَةً بِالْحَاجَةِ إِلَى إِرْسَالِهِمْ لِيَحْكُمُوا بَيْنَهُمْ فِي الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِمْ بِسَبَبِ الْفَسَادِ فِي الْعَقَائِدِ وَالذَّهَابِ
مَعَ الْأَهْوَاءِ الضَّالَّةِ فِي الْأَعْمَالِ، وَاعْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِذَلِكَ،

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 221
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست