responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 155
وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَلَا رَوَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ بِإِسْنَادٍ يُحْتَجُّ بِهِ، وَرُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ وَعَائِشَةَ مِنْ قَوْلِهِمَا.
وَغَسْلُ عَائِشَةَ لِلْمَنِيِّ مِنْ ثَوْبِهِ وَفَرَكُهَا إِيَّاهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الثِّيَابَ تُغْسَلُ مِنَ الْوَسَخِ وَالْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ، وَالْوُجُوبُ إِنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرِهِ، لَا سِيَّمَا وَلَمْ يَأْمُرْ هُوَ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ بِغَسْلِ ثِيَابِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا نُقِلَ أَنَّهُ أَمَرَ عَائِشَةَ بِذَلِكَ، بَلْ أَقَرَّهَا عَلَى ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ أَوْ حُسْنِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ، وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ.
فَإِذَا كَانَتِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى، لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَهَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا عَامًّا، وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقِلَ الْأُمَّةُ ذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكُحْلَ وَنَحْوَهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَا تَعُمُّ بِالدُّهْنِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْبَخُورِ وَالطِّيبِ ; فَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُفَطِّرُ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَ الْإِفْطَارَ بِغَيْرِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنِ الْإِفْطَارَ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الطِّيبِ وَالْبَخُورِ وَالدُّهْنِ، وَالْبَخُورُ قَدْ يَتَصَاعَدُ إِلَى الْأَنْفِ وَيَدْخُلُ فِي الدِّمَاغِ وَيَنْعَقِدُ أَجْسَامًا، وَالدُّهْنُ يَشْرَبُهُ الْبَدَنُ وَيَدْخُلُ إِلَى دَاخِلِهِ وَيَتَقَوَّى بِهِ الْإِنْسَانُ، وَكَذَلِكَ يَتَقَوَّى بِالطِّيبِ قُوَّةً جَيِّدَةً، فَلَمَّا لَمْ يَنْهَ الصَّائِمَ عَنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ تَطَيُّبِهِ وَتَبْخِيرِهِ وَإِدِّهَانِهِ، وَكَذَلِكَ اكْتِحَالِهِ. وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجْرَحُ أَحَدُهُمْ إِمَّا فِي الْجِهَادِ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ مَأْمُومَةً وَجَائِفَةً، فَلَوْ كَانَ هَذَا يُفَطِّرُ لَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَلَمَّا لَمْ يَنْهَ الصَّائِمَ عَنْ ذَلِكَ ; عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ مُفْطِرًا.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) إِثْبَاتُ التَّفْطِيرِ بِالْقِيَاسِ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا وَذَلِكَ إِمَّا قِيَاسٌ عَلَى بَابِهِ الْجَامِعِ، وَإِمَّا بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ، فَإِمَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ معدي لَهَا إِلَى الْفَرْعِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْأَوْصَافِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ، وَهَذَا الْقِيَاسُ هُنَا مُنْتَفٍ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُفَطِّرَ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مُفَطِّرًا:
هُوَ مَا كَانَ وَاصِلًا إِلَى دِمَاغٍ أَوْ بَدَنٍ، أَوْ مَا كَانَ دَاخِلًا مِنْ مَنْفَذٍ أَوْ وَاصِلًا إِلَى الْجَوْفِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي يَجْعَلُهَا أَصْحَابُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ هِيَ مَنَاطَ الْحُكْمِ عِنْدَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا جَعَلَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مُفَطِّرًا لِهَذَا الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَمِمَّا يَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ وَالْجَوْفِ مِنْ دَوَاءِ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، وَمَا يَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ مِنَ الْكُحْلِ وَمِنَ الْحُقْنَةِ وَالنُّقَطِ فِي الْإِحْلِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى تَعْلِيقِ اللهِ وَرَسُولِهِ لِلْحُكْمِ بِهَذَا الْوَصْفِ دَلِيلٌ، كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا جَعَلَا هَذَا مُفَطِّرًا لِهَذَا - قَوْلًا بِلَا عِلْمٍ، وَكَانَ قَوْلُهُ: ((إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا)) قَوْلًا - بِأَنَّ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ - بِلَا عِلْمٍ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ عَلَى اللهِ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 155
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست