responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 125
فِي السَّفَرِ، عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ)) فَكَانَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: أُخِذَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ كَرَاهَةَ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ مِمَّنْ يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَوْ يُؤَدِّي بِهِ إِلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنِ الصَّوْمِ مِنْ وُجُوهِ الْقُرْبِ، فَيَنْزِلُ قَوْلُهُ: ((لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ)) عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ قَالَ: وَالْمَانِعُونَ فِي السَّفَرِ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّفْظَ عَامُّ وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِهِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ دَلَالَةِ السَّبَبِ وَالسِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَعَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ وَبَيْنَ مُجَرَّدِ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى سَبَبٍ ; فَإِنَّ بَيْنَ الْعَامَّيْنِ فَرْقًا وَاضِحًا، وَمَنْ أَجْرَاهُمَا وَاحِدًا لَمْ يُصِبْ ; فَإِنَّ مُجَرَّدَ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى سَبَبٍ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِهِ كَنُزُولِ آيَةِ السَّرِقَةِ فِي قِصَّةِ سَرِقَةِ رِدَاءِ صَفْوَانَ. وَأَمَّا السِّيَاقُ وَالْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ فَهِيَ الْمُرْشِدَةُ لِبَيَانِ الْمُجْمَلَاتِ وَتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلَاتِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: هَذِهِ الْقِصَّةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ مَنِ اتَّفَقَ لَهُ مِثْلُ مَا اتَّفَقَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الْحُكْمِ، وَأَمَّا مَنْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ فَهُوَ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ عَلَى أَصْلِهِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ نَفْيَ الْبِرِّ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ أَبَى قَبُولَ الرُّخْصَةِ، فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ يَبْلُغَ رَجُلٌ هَذَا بِنَفْسِهِ فِي فَرِيضَةِ صَوْمٍ وَلَا نَافِلَةٍ، وَقَدْ أَرْخَصَ اللهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ صَحِيحٌ.
قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الْمَفْرُوضِ الَّذِي مَنْ خَالَفَهُ أَثِمَ، وَجَزَمَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْمُرَادُ هُنَا بِالْبِرِّ الْكَامِلُ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْبِرِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إِخْرَاجَ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ عَنْ أَنْ يَكُونَ بِرًّا ; لِأَنَّ الْإِفْطَارَ قَدْ يَكُونُ أَبَرَّ مِنَ الصَّوْمِ إِذَا كَانَ لِلتَّقْوَى عَلَى لِقَاءِ الْعَدُوِّ مَثَلًا. قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالطَّوَافِ)) الْحَدِيثَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِخْرَاجَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَسْكَنَةِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْمِسْكِينَ الْكَامِلُ الْمَسْكَنَةِ الَّذِي لَا يَجِدُ غَنِيًّا يُغْنِيهِ وَيَسْتَحِي أَنْ يَسْأَلَ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ.
(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ; أَيْ: وَعَلَى الَّذِينَ يَشُقُّ عَلَيْهِمُ
الصِّيَامُ فِعْلًا فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يُفْطِرُونَ فِيهِ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُونَ مِنْهُ أَهْلِيهِمْ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ لَا أَعْلَاهُ وَلَا أَدْنَاهُ، وَيُطْعِمُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ أَكْلَةً وَاحِدَةً أَوْ بِقَدْرِ شِبَعِ الْمُعْتَدِلِ الْأَكْلَةِ، وَكَانُوا يُقَدِّرُونَهَا بِمُدٍّ وَهُوَ - بِالضَّمِّ - رُبُعُ الصَّاعِ، وَقَدَّرُوهُ بِالْحَفْنَةِ وَهِيَ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ مِنَ الْقَمْحِ أَوِ التَّمْرِ، وَتَرَتُّبُ الْفِدْيَةِ عَلَى الْإِفْطَارِ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ يُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ كَقَوْلِهِ: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) يَعْنِي: إِذَا أَفْطَرَ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْإِطَاقَةُ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْمُكْنَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الشَّيْءِ، فَلَا تَقُولُ الْعَرَبُ أَطَاقَ الشَّيْءَ إِلَّا إِذَا كَانَتْ قُدْرَتُهُ عَلَيْهِ فِي نِهَايَةِ الضَّعْفِ بِحَيْثُ يَتَحَمَّلُ بِهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ يُطِيقُونَهُ هُنَا الشُّيُوخُ الضُّعَفَاءُ، وَالزَّمْنَى الَّذِينَ لَا يُرْجَى بُرْءُ أَمْرَاضِهِمْ وَنَحْوُهُمْ، كَالْفَعَلَةِ الَّذِينَ جَعَلَ اللهُ مَعَاشَهُمُ الدَّائِمَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 2  صفحه : 125
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست