responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 463
أَيْ: فَكَانَ مَطْلَبُهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَسَعْيِهِمُ التَّمَتُّعَ وَالتَّنَعُّمَ بِنَصِيبِهِمْ، وَحَظِّهِمُ الدُّنْيَوِيِّ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَطْلَبٌ وَلَا غَرَضٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا التَّمَتُّعُ بِعَظَمَتِهَا تُطْغِيهِمْ بِهَا الْقُوَّةُ وَبِلَذَّاتِهَا تُغْرِيهِمْ بِهَا الثَّرْوَةُ، وَبِزِينَتِهَا تُفْرِحُهُمْ بِهَا كَثْرَةُ الذُّرِّيَّةِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَقَاصِدُ شَرِيفَةٌ عَالِيَةٌ مِنَ الْحَيَاةِ سِوَاهَا، كَالَّذِي يَقْصِدُهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ مِنْ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْحَقِّ، وَإِقَامَةِ مِيزَانِ الْعَدْلِ فِي الْخَلْقِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، بَلْ كَانَ خَلَاقُهُمْ كَخَلَاقِ السِّبَاعِ وَالْأَنْعَامِ مِنَ الْعُدْوَانِ وَاللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّسْلِ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ سَوَاءً، لَمْ تُفَضَّلُوا عَلَيْهِمْ
بِشَيْءٍ مِنْ إِرْشَادِ كَلَامِ اللهِ وَهَدْيِ رَسُولِهِ فِي الْفَضَائِلِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَتَزَكَّى بِهَا الْأَنْفُسُ الْبَشَرِيَّةُ، وَتَكُونُ بِهَا أَهْلًا لِلسَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، فَكُنْتُمْ أَجْدَرَ بِاللَّائِمَةِ وَالْعُقَابِ مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ أُوتُوا مِنَ الْقُوَّةِ الْمُطْغِيَةِ، وَالْأَمْوَالِ الْمُبْطِرَةِ، وَالْأَوْلَادِ الْفَاتِنَةِ، فَوْقَ مَا أُوتِيتُمْ، وَلَمْ يَرَوْا مِنْ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى مَا رَأَيْتُمْ، وَلَا سَمِعُوا مِنْ حِكَمِ كَلَامِهِ وَشَرَائِعِهِ مَا سَمِعْتُمْ، وَلَا نَصَبَ لَهُمْ مِنَ الْمُثُلِ الْأَعْلَى لِهِدَايَةِ رُسُلِهِ مَا نَصَبَ لَكُمْ بِهَدْيِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِنَّ اللهَ نَزَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ، وَأَفْضَلَ الْكُتُبِ، وَأَكْمَلَ بِهِ الدِّينَ، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، أَعَادَ ذِكْرَ اسْتِمْتَاعِ مَنْ قَبْلِهِمْ لِمَا يَقْتَضِيهِ التَّبْكِيتُ وَالتَّأْنِيبُ مِنَ الْإِطْنَابِ ; لِبَيَانِ اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ، فَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّكُمْ فَعَلْتُمْ فِعْلَتَهُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى ضِدِّهِ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أَيْ: وَخُضْتُمْ فِي حَمْأَةِ الْبَاطِلِ كَالْخَوْضِ الَّذِي خَاضُوهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، عَلَى مَا بَيْنَ حَالِكُمْ مِنَ الْفَرْقِ، الَّذِي كَانَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونُوا أَهْدَى مِنْهُمْ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ إِنَّ (الَّذِي) تَأْتِي مَصْدَرِيَّةً:كَـ " مَا " فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: وَخُضْتُمْ كَخَوْضِهِمْ، وَقِيلَ: (الَّذِي) هُنَا لِلْجِنْسِ كَمَنَ، وَمَا وَأَنَّهُ بِمَعْنَى الَّذِينَ وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، إِذِ الْمُرَادُ أَنَّكُمْ تَخُوضُونَ كَخَوْضِ مَنْ قَبْلَكُمْ - وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَطْفُ - لَا كَالَّذِينِ خَاضُوا مُطْلَقًا مِنْ أَيِّ فَرِيقٍ كَانُوا.
أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَبِطَ الْعَمَلُ بِكَسْرِ الْبَاءِ حَبْطًا بِسُكُونِهَا وَحُبُوطًا: فَسَدَ وَذَهَبَتْ فَائِدَتُهُ، وَحَبِطَ دَمُ الْقَتِيلِ هَدَرَ، وَهُوَ مِنْ حَبِطَ بَطْنُ الْبَعِيرِ حَبَطًا (بِفَتْحَتَيْنِ) انْتَفَخَ وَفَسَدَ مِنْ كَثْرَةِ أَكْلِ الْحَنْدَقُوقِ فَلَمْ يَثْلِطْ، أَيْ: أُولَئِكَ الْمُسْتَمْتِعُونَ بِخِلَاقِهِمْ وَحَظِّهِمْ مِمَّا ذُكِرَ، وَالْخَائِضُونَ فِي الْبَاطِلِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمُ الدُّنْيَوِيَّةُ فِي الدُّنْيَا، فَكَانَ ضَرَرُهَا أَكْبَرَ مِنْ نَفْعِهَا لَهُمْ لِإِسْرَافِهِمْ فِيهَا، وَإِفْسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ، كَمَا تَحْبَطُ بُطُونُ الْمَاشِيَةِ تَأْكُلُ الْخَضِرَ فَتَسْتَوْبِلُهُ فَتَنْتَفِخُ وَتَفْسَدُ وَيَكُونُ سَبَبَ هَلَاكِهَا، وَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمُ الدِّينِيَّةُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَصُنْعِ الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ وَقِرَى الضُّيُوفِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَجْرٌ يُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِ
النَّارِ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ; لِأَنَّهَا كَانَتْ لِأَجْلِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَحُبِّ الظُّهُورِ وَالثَّنَاءِ، وَلِأَجْلِ أَنْ يُعَامَلُوا مُعَامَلَةَ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 463
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست