responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 464
الْمُسْلِمِينَ وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ، لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَلَا لِمَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي التَّنْزِيلِ عِدَّةُ آيَاتٍ فِي حُبُوطِ الْأَعْمَالِ بِالشِّرْكِ وَالرِّيَاءِ، أَيْ بُطْلَانِ ثَوَابِهَا، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ حَبِطَ بُطُونُ الْمَاشِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَالَهَا مِنِ اسْتِعَارَةٍ فَإِنَّ الْمَاشِيَةَ عِنْدَمَا تَأْكُلُ الْخَضِرَ مِنَ النَّبَاتِ تَلَذُّذًا بِهِ فَتَكْثُرُ بِهِ فَتَسْتَوْبِلُهُ وَتَسْتَوْخِمُهُ، يَكُونُ حَظُّهَا مِنْهَا فَسَادَ بُطُونِهَا وَهَلَاكَهَا، بَدَلًا مِنَ التَّغَذِّي وَالِانْتِفَاعِ الَّذِي تَطْلُبُهُ بِشَهْوَتِهَا، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِحُبُوطِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا فَشَلُهُمْ وَخَيْبَتُهُمْ فِيمَا كَانُوا يَكِيدُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ أَعْمَالَهُمْ إِمَّا دِينِيَّةٌ وَإِمَّا دُنْيَوِيَّةٌ: فَالدِّينِيَّةُ تَحْبَطُ كُلُّهَا فِي الْآخِرَةِ ; لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِهَا الْإِيمَانُ وَالْإِخْلَاصُ، وَتَحْبَطُ فِي الدُّنْيَا إِذَا ظَهَرَ نِفَاقُهُمْ، وَافْتَضَحَ أَمْرُهُمْ، وَلِحُبُوطِهَا مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ: أَنَّهَا لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي تَهْذِيبِ أَخْلَاقِهِمْ، وَتَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ ; لِأَنَّ هَذَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْإِخْلَاصِ. وَأَمَّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَهِيَ قِسْمَانِ: (1) تَمَتُّعٌ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالْقُوَّةِ. (2) كَيْدٌ وَمَكْرٌ وَنِفَاقٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى حُبُوطِهِمَا آنِفًا بِمَا يَطَّرِدُ فِي أَزْمِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا يُشْبِهُهَا كَعَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَأَمَّا أَعْمَالُ النِّفَاقِ الدُّنْيَوِيَّةُ فِي أَيَّامِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ الظَّالِمِينَ الْفَاسِقِينَ، فَإِنَّهَا تَكُونُ أَكْثَرَ رَوَاجًا وَنِتَاجًا مِنْ أَعْمَالِ الصَّادِقِينَ الْمُخْلِصِينَ. وَلَا دَلِيلَ عَلَى فَسَادِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ أَدُلُّ مِنْ تَقْرِيبِهِمْ لِلْمُنَافِقِينَ الْمُتَمَلِّقِينَ مِنْهُمْ، وَإِبْعَادِهِمْ لِلنَّاصِحِينَ الصَّادِقِينَ عَنْهُمْ. قَالَ الصَّادِقُ الْأَمِينُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ الْتَامُوا الْخُسْرَانَ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ حَظِّهِمْ مِنْ نِعَمِ اللهِ الِاسْتِمْتَاعَ الْعَاجِلَ، وَالْخَوْضَ فِي الْبَاطِلِ، إِذْ جَاءَ خَسَارُهُمْ مِنْ مَظِنَّةِ الرِّبْحِ وَالْمَنْفَعَةِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (18: 103، 104) وَكُلُّ خَسَارٍ
دُونَ هَذَا هَيِّنٌ كَأَنَّهُ لَيْسَ بِخَسَارٍ، وَهَذَا مَعْنَى صِيغَةِ الْحَصْرِ فِي الْجُمْلَةِ، فَهَلْ يَعْتَبِرُ بِهَذَا أَهْلُ هَذَا الزَّمَانِ؟ أَمْ هَلْ يَعْتَبِرُ بِهِ التَّالُونَ وَالْمُفَسِّرُونَ لِلْقُرْآنِ، أَمْ يَقْرَءُونَهُ وَيُفَسِّرُونَهُ لِكَسْبِ الْحُطَامِ؟ .
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ هَذَا اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ وَتَوْبِيخٍ لِمَنْ نَزَلَتْ فِيهِمُ الْآيَاتُ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُذَكِّرُهُمْ بِالْأَقْوَامِ الَّذِينَ ضَلُّوا مِنْ قَبْلِهِمْ وَوَصَلَتْ إِلَيْهِمْ سِيرَتُهُمْ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 10  صفحه : 464
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست