قيمة فى كثير من الأحوال مما يكال ، فإذا أخبرت الآية بأنهم لا يبقون على
الناس ما هو قليل مهين من حقوقهم ، علم أنهم لا يبقون عليهم والكثير الذي لا
يتسامح فيه إلا نادرا بالطريق الأولى.
وكما يكون
التطفيف فى الكيل والميزان يكون فى أشياء أخرى ، فمن استأجر عاملا ووقف أمامه
يراقبه ويطالبه بتجويد عمله ، ثم إذا كان هو عاملا أجيرا لم يراقب ربه فى العمل
ولم يقم به على الوجه الذي ينبغى أن يقوم به ـ يكون واقعا تحت طائلة هذا الوعيد ،
مستوجبا لأليم العذاب ، مهما يكن عمله ، جلّ أو حقر ؛ وإذا كان هذا الإنذار
للمطففين الراضين بالقليل من السحت ؛ فما ظنك بأولئك الذين يأكلون أموال الناس بلا
كيل ولا وزن ، بل يسلبونهم ما بأيديهم ، ويغلبونهم على ثمار أعمالهم ، فيحرمونهم
التمتع بها ، اعتمادا على قوة الملك أو نفوذ السلطان أو باستعمال الحيل المختلفة.
لا جرم أن
هؤلاء لا يحسبون إلا فى عداد الجاحدين المنكرين ليوم الدين ، وإن زعموا بألسنتهم
أنهم من المؤمنين المخبتين.
ثم هوّل فى شأن
هذا العمل فقال :
(أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ
أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) أي إن تطفيف الكيل والميزان واختلاس أموال الناس بهذه
الوسيلة ـ لا يصدر إلا عن شخص لا يظن أنه سيبعث يوم القيامة ويحاسب على عمله ، إذ
لو ظن ذلك لما طفف الكيل ولا بخس الميزان.
والخلاصة ـ إنه
لا يجسر على فعل هذه القبائح من كان يظن بوجود يوم يحاسب الله فيه عباده على
أعمالهم ، فما بالك بمن يستيقن ذلك.
ثم وصف هذا
اليوم فقال :
(يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي هذا اليوم هو اليوم الذي يقف فيه الناس للعرض
والحساب ، ويطول بهم الموقف إعظاما لجلاله تعالى.