ولم يفعل ذلك
بالمؤمنين فيوسع عليهم جميعا ، ليكون سبب اجتماعهم على الإيمان العقيدة المنبعثة
عن الاطمئنان النفسي ، لأنه لو فعل ذلك لاجتمعوا عليه طلبا للدنيا ، وهذا إيمان
المنافقين ، ومن ثم ضيّق الرزق على بعض المسلمين ووسع على بعض ليكون من يدخله ،
فإنما يدخله للدليل والبرهان وابتغاء رضوان الله ومثوبته.
الإيضاح
(وَإِذْ قالَ
إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلَّا
الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) أي واذكر لقومك المكبّين على التقليد : كيف تبرأ
إبراهيم من أبيه وقومه حين رآهم عاكفين على عبادة الأصنام؟ قال لهم إنى براء مما
تعبدون إلا من عبادة الله الذي خلقنى وخلق الناس جميعا ، وأنه سيهدينى إلى سبيل
الرشاد ، ويوفقنى إلى اتباع الحق ، وقد جزم بذلك لثقته بربه ، ولقوة يقينه.
(وَجَعَلَها كَلِمَةً
باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي وجعل كلمة التوحيد وهى (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) كلمة باقية فى ذريته يقتدى به فيها من هداه الله منهم ،
لعل أهل مكة يرجعون عما هم عليه إلى دين أبيهم إبراهيم ، فإنهم إذا ذكروا أباهم
الأعظم الذي بنى لهم البيت وأورثهم ذلك الفخر ، تبعوه فيما يدين به.
قال قتادة : لا
يزال من عقبه من يعبد الله إلى يوم القيامة. وقال ابن العربي : إنما كانت لإبراهيم
فى الأعقاب ، موصولة بالأحقاب ، بدعوتيه المجابتين : إحداهما قوله : «إِنِّي جاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» فقد قال إلا من ظلم منهم فلا عهد له. ثانيتهما قوله : «وَاجْنُبْنِي
وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ».
(بَلْ مَتَّعْتُ
هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ) أي ولكنى متعت هؤلاء المشركين وآباءهم من قبل ، ومددت
أعمارهم ، وأكثرت نعمهم ، فشغلتهم النعم