بعد أن ذكر
سبحانه فى الآية السالفة أن الذي دعا الكفار إلى اعتناق العقائد الزائفة هو تقليد
الآباء والأجداد ، وبين أنه طريق باطل ، ونهج فاسد ، وأن الرجوع إلى الدليل أولى
من التقليد ـ أردف هذا أن ذكر لهم أن أشرف آبائهم وهو إبراهيم عليه السلام ترك دين
الآباء وحكم بأن اتباع الدليل أولى من متابعتهم ، فيجب عليكم تقليده ، وحين عدل عن
طريق آبائه جعل الله دينه باقيا فى عقبه إلى يوم القيامة ، وأديان آبائه درست
وبطلت.
ثم ذكر أن
قريشا وآباءهم مدّ لهم فى العمر والنعمة ، فاغتروا بذلك واتبعوا الشهوات ، وأعرضوا
عن توحيد الله وشكره على آلائه ، حتى جاءهم الرسول منبها لهم مذكرا بالنظر إلى من
فطرهم وفطر السموات والأرض وآتاهم من فضله ما يتمتعون به من زينة هذه الحياة ،
فكذبوه وقالوا ساحر كذاب ، ثم حكى عنهم أنهم قالوا : هلا نزّل هذا القرآن على رجل
عظيم الجاه كثير المال من إحدى القريتين مكة والطائف ، فرد عليهم مقالهم ، بأنه قسم
الحظوظ الدنيوية بين عباده ، فجعل منهم الغنى والفقير ، والسيد والمسود ، والملوك
والسّوقة ، والأقوياء والضعفاء ، ولم يغير أحد ما حكم به فى أحوال دنياهم على
حقارتها ، فكيف يعترضون على حكمه فيما هو أرفع درجة ، وأشرف غاية ، وأعظم مرتبة ،
وهو منصب النبوة؟.
ثم ذكر أن
التفاوت فى شئون الدنيا هو الذي يتمّ به نظام المجتمع والسير به على النهج القويم
، فلولاه ما صرّف بعضهم بعضا فى حوائجه ، ولا تعاونوا فى تسهيل وسائل المعيشة ، ثم
أعقب هذا ببيان أنه لو لا أن يرغب الناس فى الكفر إذا رأوا الكفار فى سعة من الرزق
لمتعهم بكل وسائل النعيم ، فجعل لبيوتهم أبوابا من فضة وسقفا وسررا ومصاعد منها
وزينة فى كل شىء ، ولكن كل هذا متاع قليل زائل والآخرة هى الباقية ؛ وهى لمن يتقى
الله ويجتنب الكفر والمعاصي.