بعد أن أبان
فيما سلف أنه هو الرقيب على عباده ، المحصى لأعمالهم ، وأنه عليه السلام نذير فحسب
، وليس عليه إلا البلاغ ـ ذكر هنا أنه أنزل كتابه بلغة العرب ليفهمه قومه من أهل
مكة وما حولها كما قال : «وَما
أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» وينذرهم بأن يوم القيامة آت لا شك فيه ، وأن الناس إذ
ذاك فريقان : فريق يدخل الجنة بما قدم من صالح الأعمال ، وفريق يدخل النار بما
دسّى به نفسه من سيىء الفعال ، ثم ذكر أن حكمته اقتضت أن يكون الإيمان بالتكليف
اختيارا ولم يشأ أن يكون قسرا وجبرا ، ولو شاء أن يكون كذلك لفعل ، فمن أخبت لله
وأناب وعمل صالحا أفلح وفاز بالسعادة ، ومن عاث فى الأرض فسادا ، واتجهت همته إلى
ارتكاب الشرور والآثام خسر وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المهاد ، ولا يجد
له من دون الله وليا ولا نصيرا.
الإيضاح
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) أي ومثل ذلك الإيحاء البديع الواضح ، أوحينا إليك قرآنا
عربيا بلسان قومك ، لاخفاء فيه عليك ولا عليهم ، ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره
ولتنذر به أهل مكة وما حولها من البلاد ، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه.
وقصارى ذلك ـ إنا
كما أوحينا إليك أنك لست بالحفيظ عليهم ولا بالوكيل ، أوحينا إليك قرآنا عربيا
لتنذر أهل مكة وما حولها.
وخص هؤلاء
بالذكر ، لأنهم أول من أنذروا ، ولأنهم أقرب الناس إليه ، فلا دليل فيها على أنه
أرسل إليهم خاصة ، كيف وقد جاء فى آية أخرى «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ».