وهذا الإنذار
يعم شئون الدنيا وشئون الآخرة. ثم خص من بينها أمور الآخرة بيانا لعظيم أهوالها
وشديد نكالها فقال :
(وَتُنْذِرَ يَوْمَ
الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ) أي ولتنذر الخلائق كافة عقاب الله يوم جمعهم للعرض
والحساب ، وهو يوم لا شك فيه ، لتظاهر الأدلة على تحققه عقلا ونقلا ، فالحكمة
قاضية بجزاء المحسن على إحسانه ، ومعاقبة المسيء على إساءته ، ولما فيه من نصوص
قاطعة على وجوده لا تحتمل تأويلا ولا تفسيرا.
ثم ذكر عاقبة
العرض والحساب فقال :
(فَرِيقٌ فِي
الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) أي إنهم بعد جمعهم وعرضهم للحساب يفرقون ، ففريق منهم
يدخل الجنة لإيمانه بالله ورسوله وبما أحسن من عمل فى دنياه استحق به الكرامة عند
ربه ، والنعيم المقيم فى جنته ، وفريق منهم فى نار الله الموقدة المسعورة على
أهلها ، وهم الذين كفروا بالله وخالفوا ما جاءهم به رسوله ، فدسّوا أنفسهم بما
أساءوا إليها من شرور وآثام ، وبما عبدوه من أوثان وأصنام.
ثم سلّى رسوله
على ما كان يناله من الغم والهم بتولي قومه عنه ، وعدم استجابة دعوته ، وأعلمه أن
أمور عباده بيده ، وأنه الهادي إلى الحق من يشاء ، والمضل من أراد فقال :
(وَلَوْ شاءَ اللهُ
لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ
وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي ولو شاء الله لجعل الجميع مؤمنين كما تريد وتحرص
عليه ، ولكن حكمته اقتضت أن يكون بعضهم مؤمنين كما تحب ، وبعضهم كفارا وهم الذين
اتخذوا من دون الله أولياء ؛ لأنه سبحانه شاء أن يكون الإيمان مبنيا على التكليف