والإخراج من الوطن ومصادرة المال أشد قبحا من القتل فيه ، إذ لا بلاء على
الإنسان أشدّ من إيذائه واضطهاده وتعذيبه على اعتقاده الذي تمكن من عقله ونفسه ،
ورآه سعادة له في عاقبة أمره.
ثم استثنى من
الأمر بقتل هؤلاء المحاربين في كل مكان أدركوا فيه المسجد الحرام فقال :
(وَلا تُقاتِلُوهُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) أي إن من دخل منهم المسجد الحرام يكون آمنا إلا أن
يقاتل هو فيه وينتهك حرمته ، فلا أمان له حينئذ.
ولما كان القتل
في المسجد الحرام أمرا عظيما يتحرّج منه ، أكد الإذن فيه بشرطه السابق فقال :
(فَإِنْ قاتَلُوكُمْ
فَاقْتُلُوهُمْ) ولا تستسلموا لهم ، فالبادئ هو الظالم ، والمدافع غير
آثم.
(كَذلِكَ جَزاءُ
الْكافِرِينَ) أي إنه قد جرت سنة الله بأن يجازى الكافرين مثل هذا
الجزاء ، ويعذبهم مثل ذلك العذاب ؛ لأنهم قد تعرّضوا له بتعديهم الحدود التي شرعها
، فهم الظالمون لأنفسهم ، لأنهم قد بدءوا بالعدوان ، فيلقون جزاء ما صنعوا.
(فَإِنِ انْتَهَوْا
فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فإن كفّوا عن القتال أو عن الكفر فإن الله يقبل منهم
عملهم ، فهو رحيم بعباده يغفر لهم ما سبق من زلاتهم ، ويمحو خطيئاتهم إذا هم تابوا
عما اقترفوا ، وأحسنوا واتقوا : «إِنَّ
رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى
لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي وقاتلوهم حتى لا تكون لهم قوّة يفتنونكم بها فى
دينكم ، ويؤذونكم في سبيله ، ويمنعونكم من إظهاره والدعوة إليه.
وجملة وقاتلوا
الأولى بينت بدء القتال ، وقاتلوهم إلخ بينت الغاية منه ، وهى ألا يوجد شىء من
الفتنة في الدين.