لما طالب الله
عباده في الآية السابقة بصوم الشهر وإكمال العدّة ، وحثهم على التكبير ليعدّوا
أنفسهم للشكر ، عقب بهذه الآية للدلالة على أنه خبير بأحوالهم ، سميع لأقوالهم ،
فيجيب دعوة الداعين ويجازيهم بأعمالهم ، وفي هذا حثّ لهم على الدعاء ، وقد روى أن
سبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع المسلمين يدعون الله بصوت رفيع فى
غزوة خيبر فقال لهم : «أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا
غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم».
ويستفاد من هذه
الآية أنه لا ينبغى رفع الصوت في العبادات إلا بالمقدار الذي حدده الشرع في الصلاة
الجهرية ، وهو أن يسمعه من بالقرب منه ، فمن تعمد المبالغة في الصياح حين الدعاء ،
كان مخالفا لأمر ربه وأمر نبيه.
(وَإِذا سَأَلَكَ
عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) قرب الله من عباده إحاطة علمه بكل شىء ، فهو يسمع أقوالهم
ويرى أعمالهم ، أي ذكّر أيها الرسول عبادى بما يجب أن يراعوه في هذه العبادة
وغيرها من الطاعة والإخلاص والتوجه إلىّ وحدي بالدعاء ، وأخبرهم بأني قريب منهم
ليس بينى وبينهم حجاب ، ولا ولىّ ولا شفيع يبلغنى دعاءهم وعبادتهم ، أو يشاركنى في
إجابتهم وإثابتهم ، وأجيب دعوة من يدعونى بلا وساطة أحد إذا هو توجه إلىّ وحدي في
طلب حاجته ، لأننى أنا الذي خلقته وأعلم ما توسوس به نفسه والعارف بالشريعة وبسنن
الله في خلقه ، لا يقصد بدعائه إلا هدايته إلى الأسباب التي توصله إلى تحصيل
رغباته ونيل مقاصده ، فهو إذا سأل الله أن يزيد في رزقه ، فهو لا يقصد أن تمطر له
السماء ذهبا وفضة ، وإذا سأله شفاء مريضه الذي أعياه علاجه ، فإنه