لا يريد أن يخرق العادات ، بل يريد توفيقه إلى العلاج الذي يكون سبب الشفاء
، ومن ترك السعى والكسب وطلب أن يؤتي مالا فهو غير داع بل جاهل ، وكذا المريض الذي
لا يراعى الحمية ولا يتخذ الدواء ويطلب الشفاء والعافية ، لأن مثل هذين يطلبان
إبطال السنن التي سنها الله في الخليقة.
والدعاء
المطلوب هو الدعاء بالقول مع التوجه إلى الله بالقلب ، وذلك أثر الشعور بالحاجة
إليه ، والمذكّر بعظمته وجلاله ، ومن ثم سماه النبي صلى الله عليه وسلم مخّ
العبادة ، وإجابة الدعاء : تقبّله ممن أخلص له وفزع إليه ، سواء وصل إليه ما طلبه
في ظاهر الأمر أم لم يصل ، ونحو الآية قوله في سورة ق : «وَنَحْنُ أَقْرَبُ
إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» وعلى هذا فلا داعى لرفع الصوت في الدعاء ، ولا إلى
الوساطة بينهم وبينه في طلب الحاجات كما كان يفعله المشركون من التوسل بالشفعاء
والوسطاء.
(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي
وَلْيُؤْمِنُوا بِي) الاستجابة الإجابة بعناية واستعداد ، أي وإذ كنت قريبا
منهم مجيبا دعوة من دعانى ، فليستجيبوا لى بالقيام بعمل ما أمرتهم به من الإيمان
والعبادات النافعة لهم كالصيام والصلاة والزكاة وغيرها مما أدعوهم إليه ، كما أجيب
دعوتهم بقبول عبادتهم.
(لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ) الرشد والرشاد ضد الغىّ والفساد : أي إن الأعمال إذا
صدرت بروح الإيمان يرجى أن يكون صاحبها راشدا مهتديا ، أما إذا صدرت اتباعا للعادة
وموافقة المعاشرين فلا تعدّ للرشاد والتقوى ، بل ربما زادت فاعلها ضراوة في
الشهوات ، وفسادا في الأخلاق ، كما يشاهد ذلك لدى الصائمين الذين يصومون تقليدا
لآبائهم وعشيرتهم لا بإخلاص لربهم وابتغاء لمثوبته.