إلى أن جاء
الإسلام فأصلح من ذلك ، فجعل العدة على نحو الثلث مما كانت عليه ، ولم يحرم فيها
إلا الزينة والطيب والتعرض لأنظار الخاطبين من مريدى الزواج ، وما منع النظافة ولا
الجلوس في كل مكان في البيت مع النساء والمحارم من الرجال ، والكحل الذي منعه
النبي صلى الله عليه وسلم هو كحل الزينة لا كحل التداوى بدليل حديث الموطأ عن أم
سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار».
والمسلمات
اليوم لا يسرن على طريق واحدة في الحداد ، فمنهن من يغلون في الحداد ويغرقن في
النّوح والندب والخروج من مألوف العادات في المعيشة ، حتى يزدن على ما كان عليه
نساء الجاهلية ، ولا يخصصن الزوج بما خصه به الشرع ، بل ربما حددن على الولد السنة
والسنتين ، وربما تركن الحداد على الزوج بعد الأربعين.
فالخير كل
الخير للمسلمين أن يصلحوا هذه العادات الرديئة في الحداد ، إذ لا فائدة فيها إلا
إفناء المال في تغيير اللباس والأثاث والرياش والماعون ، وفساد آداب المعاشرة
والشقاء في أحوال المعيشة ، وما ينجم عن ذلك من الأمراض ، ولا سيما لدى ضعفاء
الأمزجة.
ولا سبيل إلى
ذلك إلا بالعودة إلى أحكام الشرع من الحداد ثلاثة أيام على القريب وأربعة أشهر
وعشرا على الزوج ، وجعل الحداد مقصورا على ترك الزينة والطيب وعدم الخروج من
المنزل إلا لضرورة.
(وَاللهُ بِما
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فهو محيط بدقائق أعمالكم لا يخفى عليه شىء منها ، فإذا
جعلتم نساءكم تسير على نهج الشرع وحدوده صلحت أحوالكم ، وسعدتم في دنياكم ، وأحسن
الله جزاءكم في أخراكم ، وإن أسأتم السيرة وحدتم عن السّنن السوىّ أخذكم أخذ عزيز
مقتدر.