كان هذا أيام
أن كان الدين غضّا طريّا معروفا بحقيقته لأهله ، تبينه للناس رؤساؤه ، ويمشى بنوره
فيهم علماؤه ، لا خلاف ولا اعتساف ، ولكن خلف من بعدهم خلف اعتسفوا في التأويل ،
وما همهم من ذلك إلا سدّ مطامعهم ، وتأييد سطوتهم ، سواء أهدمت أحكام الله أم قامت
، واعوجّت السبل أم استقامت ، ثم يأتى ضال آخر فيحرّف ويؤوّل ، ويريد أن ينال من
الأول ما نال هذا من غيره ، فيقع الخلاف والشقاق باسم الدين ولحماية الدين ، وكم
حروب وقعت بين المسلمين حتى قصمت ظهورهم ، وأوهنت عزائمهم ، وما كان دعواهم في كل
ما حدث إلا حفظ الدين ، وحمل الناس على الحق المبين ، وقد سبقهم إلى مثل هذا
اليهود والنصارى ولا يزال أمرهم كذلك إلى اليوم ، فكأنهم احتذوا حذوهم ، وجعلوهم
رائدهم مع ما في كتابهم من النعي عليهم وتقريعهم على سوء صنيعهم ، وكتابهم ملىء
بهذا ، وسنة نبيهم تحذرهم كل التحذير من سلوك هذا الطريق المعوّج الذي جرى عليه
سابقوهم ، وكان وبالا ونكالا عليهم.
ثم أرشد إلى أن
الإيمان الصحيح يهدى الناس إلى الحق ويمنع الاختلاف قال :
(فَهَدَى اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ، وَاللهُ يَهْدِي
مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي إن المؤمنين هم الذين يهتدون لما اختلف الناس فيه من
الحقّ ويصلون إلى ما يرضى ربهم بتوفيقه وإنعامه ، فالإيمان الصحيح له نور يسطع في
العقول فيهديها في ظلمات الشبه ، ويضىء لها السبيل إلى الحق لا يخالطه باطل ،
فيسهل عليها أن تميط كل أذى يتعثر يه السالك ، كما لا يسمح لصاحبه أن يأخذ بأمر
قبل أن يتبصر فيه ، ويعرف أنه نافع له في دينه ودنياه ، ويجعل لنفسه رقيبا عليها
في كل خطرة تمرّ بباله ، وكل نظرة تقع على ما بين يديه من آيات الله ، فإذا اعتقد
فهو يعتقد ما يطابق الواقع ، وإذا تخيل فإنما يتخيل صورا تجلّى الواقع في أقوى
مظاهره ، فهو ساكن القلب ، مطمئن النفس ، والناس في اضطراب وحرب ، كفروا بأنعم
الله فعوقبوا عليها بفشوّ الشرّ ، وفساد الأمر كما قال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ
فَرَّقُوا