(وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ
الْكِتابَ) فتعرفون منه ما لا يعرفه من تأمرونهم باتباعه ، والفرق
عظيم بين من يفعل وينقصه العلم بفوائد ما يفعل ، ومن يترك وهو عليم بمزايا ما
يترك.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أفلا عقل لكم يحبسكم عن هذا السفه ، ويحذركم وخامة
عاقبته ، فإن من عنده أدنى مسكة من العقل لا يدّعى كمال العلم بالكتاب ، ويقوم
بالإرشاد إلى هديه ، ويبين للناس سبيل السعادة باتباعه ، ثم هو بعد لا يعمل به ولا
يستمسك بأوامره ونواهيه.
وهذا الخطاب
وإن كان موجها إلى اليهود فهو عبرة لغيرهم ، فلتنظر كل أمة أفرادا وجماعات في
أحوالها ، ثم لتحذر أن يكون حالها كحال أولئك القوم فيكون حكمها عند الله حكمهم ،
فالجزاء إنما هو على أعمال القلوب والجوارح لا على صنف خاص من الشعوب والأفراد.
وبعد أن بين
سبحانه سوء حالهم وذكر أن العقل لم ينفعهم والكتاب لم يذكّرهم ، أرشدهم إلى الطريق
المثلى ، وهى الاستعانة بالصبر والصلاة فقال :
(وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) الصبر الحقيقي إنما يكون بتذكر وعد الله بحسن الجزاء
لمن صبر عن الشهوات المحرمة التي تميل إليها النفس ، وعمل أنواع الطاعات التي تشقّ
عليها ، والتفكر في أن المصايب بقضاء الله وقدره ، فيجب الخضوع له والتسليم لأمره
، والاستعانة به تكون باتباع الأوامر واجتناب النواهي بقمع النفس عن شهواتها
وحرمانها لذاتها ، وتكون بالصلاة لما فيها من النهى عن الفحشاء والمنكر ، ولما
فيها من مراقبة الله في السر والنجوى ، وناهيك بعبادة يناجى فيها العبد ربه في
اليوم خمس مرات ، وقد روى أحمد رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه
أمر فزع إلى الصلاة ، وروى أن ابن عباس نعيت له بنت وهو في سفر فاسترجع ثم تنحى عن
الطريق وصلّى ثم انصرف إلى راحلته وهو يقرأ : «واستعينوا بالصبر والصلاة».
(وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ
إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) أي وإن الصلاة لشاقة صعبة الاحتمال إلا على