responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 384
وَيُعِينُوكُمْ عَلَى مَطَالِبِكُمْ وَهَذَا جَهْلٌ، لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ مُتَحَيِّرُونَ، وَالْعَاقِلُ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْصُرُكُمْ عَلَى الْعَدُوِّ وَيَدْفَعُ عَنْكُمْ كَيْدَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ خَيْرُ النَّاصِرِينَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ النُّصْرَةَ، لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُتْبِعَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا كَانَ تَعَالَى خَيْرَ النَّاصِرِينَ لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْقَادِرُ عَلَى نُصْرَتِكَ فِي كُلِّ مَا تُرِيدُ، وَالْعَالِمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ دُعَاؤُكَ وَتَضَرُّعُكَ، وَالْكَرِيمُ الَّذِي لَا يَبْخَلُ فِي جُودِهِ، وَنُصْرَةُ الْعَبِيدِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي كُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَنْصُرُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَنْصُرُكَ قَبْلَ سُؤَالِكَ وَمَعْرِفَتِكَ بِالْحَاجَةِ، كَمَا قَالَ: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ [الْأَنْبِيَاءِ: 42] وَغَيْرُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ سَائِرِ النَّاصِرِينَ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ وَرَدَ الْكَلَامُ عَلَى حَسَبِ تَعَارُفِهِمْ كَقَوْلِهِ: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الرُّومِ: 27] .

[سورة آل عمران (3) : آية 151]
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ] اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ تَمَامِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ وُجُوهًا كَثِيرَةً فِي التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِالْكُفَّارِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى يُلْقِي الْخَوْفَ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ اسْتِيلَاءَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا الْوَعْدَ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِيَوْمِ أُحُدٍ، أَوْ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ؟ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الْيَوْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِنَّمَا/ وَرَدَتْ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ ذَكَرُوا فِي كَيْفِيَّةِ إِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَوْلَوْا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهَزَمُوهُمْ أَوْقَعَ اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَتَرَكُوهُمْ وَفَرُّوا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، حَتَّى رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ صَعِدَ الْجَبَلَ، وَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ، وَأَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، وَأَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ، فَأَجَابَهُ عُمَرُ، وَدَارَتْ بَيْنَهُمَا كَلِمَاتٌ، وَمَا تَجَاسَرَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ وَالذَّهَابِ إِلَيْهِمْ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا ذَهَبُوا إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانُوا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ قَالُوا: مَا صَنَعْنَا شَيْئًا، قَتَلْنَا الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَرَكْنَاهُمْ وَنَحْنُ قَاهِرُونَ، ارْجِعُوا حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَلْقَى اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْوَعْدَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِيَوْمِ أُحُدٍ، بَلْ هُوَ عَامٌّ. قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَأَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَتْ لَكُمْ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُلْقِي الرُّعْبَ مِنْكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ الْكَافِرِينَ حَتَّى يَقْهَرَ الْكُفَّارَ، وَيُظْهِرَ دِينَكُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ. وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ دِينُ الْإِسْلَامِ قَاهِرًا لِجَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ الرُّعْبَ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَالْبَاقُونَ بِتَخْفِيفِهَا فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ، يُقَالُ: رَعَبْتُهُ رُعْبًا وَرُعُبًا وَهُوَ مَرْعُوبٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرُّعْبُ مَصْدَرًا، وَالرُّعُبُ اسْمٌ مِنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الرُّعْبُ: الْخَوْفُ الَّذِي يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ، وَأَصْلُ الرُّعْبِ الْمَلْءُ، يُقَالُ سَيْلٌ رَاعِبٌ إِذَا مَلَأَ الْأَوْدِيَةَ وَالْأَنْهَارَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْفَزَعُ رُعْبًا لِأَنَّهُ يَمْلَأُ الْقَلْبَ خَوْفًا.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 384
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست