responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 385
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الرُّعْبِ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى إِجْرَاءِ هَذَا الْعُمُومِ عَلَى ظَاهِرِهِ، لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ إِلَّا وَفِي قَلْبِهِ ضَرْبٌ مِنَ الرُّعْبِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِمَّا فِي الْحَرْبِ، وَإِمَّا عِنْدَ الْمُحَاجَّةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ، إِنَّمَا يَقْتَضِي وُقُوعَ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِأُولَئِكَ الْكُفَّارِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ فَاعْلَمْ أَنَّ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى: بِسَبَبِ إِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا بِالْوَجْهِ الْمَعْقُولِ هُوَ أَنَّ الدُّعَاءَ إِنَّمَا يَصِيرُ فِي مَحَلِّ الْإِجَابَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ كَمَا قَالَ:
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ [النحل: 62] وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الِاضْطِرَارُ، لِأَنَّهُ يَقُولُ:
إِنْ كَانَ هَذَا الْمَعْبُودُ لَا يَنْصُرُنِي، فَذَاكَ الْآخَرُ يَنْصُرُنِي، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي قَلْبِهِ الِاضْطِرَارُ لَمْ تَحْصُلِ الْإِجَابَةُ وَلَا النُّصْرَةُ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ الرُّعْبُ وَالْخَوْفُ فِي قَلْبِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ يُوجِبُ الرُّعْبَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: السُّلْطَانُ هَاهُنَا هُوَ الْحُجَّةُ وَالْبُرْهَانُ، وَفِي اشْتِقَاقِهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهُ مِنَ السَّلِيطِ وَهُوَ الَّذِي يُضَاءُ بِهِ السِّرَاجُ، وَقِيلَ لِلْأُمَرَاءِ سَلَاطِينُ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ بِهِمْ يَتَوَصَّلُ النَّاسُ إِلَى تَحْصِيلِ الْحُقُوقِ.
الثَّانِي: أَنَّ السُّلْطَانَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحُجَّةُ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْأَمِيرِ سُلْطَانٌ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ذُو الْحُجَّةِ. الثَّالِثُ: قَالَ اللَّيْثُ: السُّلْطَانُ الْقُدْرَةُ، لِأَنَّ أَصْلَ بِنَائِهِ مِنَ التَّسْلِيطِ وَعَلَى هَذَا سُلْطَانُ الْمَلِكِ: قُوَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ، وَيُسَمَّى الْبُرْهَانُ سُلْطَانًا لِقُوَّتِهِ عَلَى دَفْعِ الْبَاطِلِ. الرَّابِعُ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سُلْطَانُ كُلِّ شَيْءٍ حِدَّتُهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ اللِّسَانِ السَّلِيطِ، وَالسَّلَاطَةُ بِمَعْنَى الْحِدَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً يُوهِمُ أَنَّ فِيهِ سُلْطَانًا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَنْزَلَهُ وَمَا أَظْهَرَهُ، إِلَّا أَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَأَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ سُلْطَانًا، فَلَمَّا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَجَبَ عَدَمُهُ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ فِيهِ مَا يَقُولُهُ الْمُتَكَلِّمُونَ: أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُبَالِغُ فَيَقُولُ: لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ نَفْيُهُ، وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَرْفِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ الصَّانِعِ، فَقَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ إِلَّا بِاحْتِيَاجِ الْمُحْدَثَاتِ إِلَيْهِ، وَيَكْفِي فِي دَفْعِ هَذِهِ الْحَاجَةِ إِثْبَاتُ الصَّانِعِ الْوَاحِدِ، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِهِ فَلَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى فَسَادِ التَّقْلِيدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِهِ بَاطِلًا، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ مَا لَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِهِ يَكُونُ بَاطِلًا، فَيَلْزَمُ فَسَادُ الْقَوْلِ بِالتَّقْلِيدِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَأْواهُمُ النَّارُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ أَحْوَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي الدُّنْيَا هُوَ وُقُوعُ الْخَوْفِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَبَيَّنَ أَحْوَالَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ أَنَّ مَأْوَاهُمْ وَمَسْكَنَهُمُ النَّارُ.
ثُمَّ قَالَ: وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ الْمَثْوَى: الْمَكَانُ الَّذِي يَكُونُ مَقَرَّ الْإِنْسَانِ وَمَأْوَاهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَوَى يَثْوِي ثويا، وجمع المثوى مثاوي.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 385
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست