responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 70
وإنما أمكنهم ترك السؤال عند ما أَلَحُّوا عَلَى النَّفْسِ وَمَنَعُوهَا بِالتَّكْلِيفِ الشَّدِيدِ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
وَلِي نَفْسٌ أَقُولُ لَهَا إِذَا مَا ... تُنَازِعُنِي لَعَلِّي أَوْ عَسَانِي
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ سَأَلَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُلِحَّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، لِأَنَّهُ إِذَا سَأَلَ فَقَدْ أَرَاقَ مَاءَ وَجْهِهِ، وَيَحْمِلُ الذِّلَّةَ فِي إِظْهَارِ ذَلِكَ السُّؤَالِ، فَيَقُولُ: لَمَّا تَحَمَّلْتُ هَذِهِ الْمَشَاقَّ فَلَا أَرْجِعُ بِغَيْرِ مَقْصُودٍ، فَهَذَا الْخَاطِرُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْإِلْحَافِ وَالْإِلْحَاحِ، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَأَلَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْإِلْحَاحِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَكَانَ نَفْيُ الْإِلْحَاحِ عَنْهُمْ مُطْلَقًا مُوجِبًا لِنَفْيِ السُّؤَالِ عَنْهُمْ مُطْلَقًا.
الْوَجْهُ السَّادِسُ: وَهُوَ أَيْضًا خَطَرَ بِبَالِي فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ آثَارَ الْفَقْرِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، ثُمَّ سَكَتَ عَنِ السُّؤَالِ، فَكَأَنَّهُ أَتَى بِالسُّؤَالِ الْمُلِحِّ الْمُلْحِفِ، لِأَنَّ ظُهُورَ أَمَارَاتِ الْحَاجَةِ تَدُلُّ عَلَى الْحَاجَةِ وَسُكُوتُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ الْحَاجَةَ وَمَتَى تَصَوَّرَ الْإِنْسَانُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ رَقَّ قَلْبُهُ جِدًّا، وَصَارَ حَامِلًا لَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا، فَكَانَ إِظْهَارُ هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ السؤال على سبيل الإلحاف، فقوله لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنِ السُّؤَالِ لَكِنَّهُمْ لَا يَضُمُّونَ إِلَى ذَلِكَ السُّكُوتِ مِنْ رَثَاثَةِ الْحَالِ وَإِظْهَارِ الِانْكِسَارِ مَا يَقُومُ مَقَامَ السُّؤَالِ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْحَافِ بَلْ يُزَيِّنُونَ أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ النَّاسِ وَيَتَجَمَّلُونَ بِهَذَا الْخُلُقِ وَيَجْعَلُونَ فَقْرَهُمْ وَحَاجَتَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا الْخَالِقُ، فَهَذَا الْوَجْهُ أَيْضًا مُنَاسِبٌ مَعْقُولٌ وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ وَلِلنَّاسِ فِيهَا كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ لَاحَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقْتَ كُتِبَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ صِفَاتِ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:
273] وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ [البقرة:
272] وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّكْرَارِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَكَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَوْفِيَةَ الْأَجْرِ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ وَنُقْصَانٍ لَا يُمْكِنُ إِلَّا عِنْدَ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِ الْعَمَلِ وَكَيْفِيَّةِ جِهَاتِهِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ لَا جَرَمَ قَرَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَوْنَهُ تَعَالَى عَالِمًا بِمَقَادِيرِ الْأَعْمَالِ وَكَيْفِيَّاتِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا رَغِبَ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، قَالَ: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ بَيَّنَ أَنَّ أَجْرَهُ وَاصِلٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ لَمَّا رَغَّبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الْكَامِلَةِ، وَكَانَ هَذَا الْإِنْفَاقُ أَعْظَمَ وُجُوهِ الْإِنْفَاقَاتِ، لَا جَرَمَ/ أَرْدَفَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ ثَوَابِهِ فَقَالَ:
وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ وَهُوَ يَجْرِي مَجْرَى مَا إِذَا قَالَ السُّلْطَانُ الْعَظِيمُ لِعَبْدِهِ الَّذِي اسْتَحْسَنَ خدمته: ما يكفيك بأن يكون علي شَاهِدًا بِكَيْفِيَّةِ طَاعَتِكَ وَحُسْنِ خِدْمَتِكَ، فَإِنَّ هَذَا أَعْظَمُ وَقْعًا مِمَّا إِذَا قَالَ لَهُ: إِنَّ أجرك واصل إليك.

[سورة البقرة (2) : آية 274]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 70
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست