responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 69
سِيمَاهُمْ التَّخَشُّعُ وَالتَّوَاضُعُ، قَالَ الرَّبِيعُ وَالسُّدِّيُّ: أَثَرُ الْجَهْدِ مِنَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ وَقَالَ الضَّحَّاكُ صُفْرَةُ أَلْوَانِهِمْ مِنَ الْجُوعِ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ رَثَاثَةُ ثِيَابِهِمْ وَالْجُوعُ خَفِيٌ وَعِنْدِي أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرُوهُ عَلَامَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى حُصُولِ الْفَقْرِ وَذَلِكَ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ يَحْسَبُهُمُ/ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ بَلِ الْمُرَادُ شَيْءٌ آخَرُ هُوَ أَنَّ لِعِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ هَيْبَةً وَوَقْعًا فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ، كُلُّ مَنْ رَآهُمْ تَأَثَّرَ مِنْهُمْ وَتَوَاضَعَ لَهُمْ وَذَلِكَ إِدْرَاكَاتٌ رُوحَانِيَّةٌ، لَا عِلَّاتٌ جُسْمَانِيَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَسَدَ إِذَا مَرَّ هَابَتْهُ سَائِرُ السِّبَاعِ بِطِبَاعِهَا لَا بِالتَّجْرِبَةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تِلْكَ التَّجْرِبَةَ مَا وَقَعَتْ، وَالْبَازِيُّ إِذَا طَارَ تَهْرُبُ مِنْهُ الطُّيُورُ الضَّعِيفَةُ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِدْرَاكَاتٌ رُوحَانِيَّةٌ لَا جسمانية، فكذا هاهنا، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ آثَارُ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الْفَتْحِ: 29] وَأَيْضًا ظُهُورُ آثَارِ الْفِكْرِ، رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ اللَّيْلَ لِلتَّهَجُّدِ وَيَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ لِلتَّعَفُّفِ.
الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ: قَوْلُهُ تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَفِيفَ الْمُتَعَفِّفَ، وَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ الَّذِي إِنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا أَفْرَطَ فِي الْمَدْحِ، وَإِنْ أُعْطِيَ قَلِيلًا أَفْرَطَ فِي الذَّمِّ،
وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْتَحُ أَحَدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلًا يَحْتَطِبُ فَيَبِيعُهُ بِمُدٍّ مِنْ تَمْرٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُشْكِلَةٌ، وَذَكَرُوا فِي تَأْوِيلِهَا وُجُوهًا الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِلْحَافَ هُوَ الْإِلْحَاحُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ سَأَلُوا بِتَلَطُّفٍ وَلَمْ يُلِحُّوا، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِالتَّعَفُّفِ عَنِ السُّؤَالِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ وَذَلِكَ يُنَافِي صُدُورَ السُّؤَالِ عَنْهُمْ وَالثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي خَطَرَ بِبَالِي عِنْدَ كِتَابَةِ هَذَا الْمَوْضُوعِ: أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَصْفَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ يَتَعَفَّفُونَ عَنِ السُّؤَالِ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ الْبَتَّةَ فَقَدْ عُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ إِلْحَافًا، بَلِ الْمُرَادُ التَّنْبِيهُ عَلَى سُوءِ طَرِيقَةِ مَنْ يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا، وَمِثَالُهُ إِذَا حَضَرَ عِنْدَكَ رَجُلَانِ أَحَدَهُمَا عَاقِلٌ وَقُورٌ ثَابِتٌ، وَالْآخَرُ طَيَّاشٌ مِهْذَارٌ سَفِيهٌ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَمْدَحَ أَحَدَهُمَا وَتُعَرِّضَ بِذَمِّ الْآخَرِ قُلْتَ فُلَانٌ رَجُلٌ عَاقِلٌ وَقُورٌ قَلِيلُ الْكَلَامِ، لَا يَخُوضُ فِي التُّرَّهَاتِ، وَلَا يَشْرَعُ فِي السَّفَاهَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ غَرَضُكَ مِنْ قَوْلِكَ، لَا يَخُوضُ فِي التُّرَّهَاتِ وَالسَّفَاهَاتِ وَصْفَهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْحَسَنَةِ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ، بَلْ غَرَضُكَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَذَمَّةِ الثَّانِي وَكَذَا هاهنا قوله لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً بَعْدَ قَوْلِهِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ الْغَرَضُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا وَبَيَانُ مُبَايَنَةِ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ عَنِ الْآخَرِ فِي اسْتِيجَابِ الْمَدْحِ وَالتَّعْظِيمِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ الْمُلِحَّ هُوَ الَّذِي يستخرج المال بكثرة تلطفه، فقوله لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ بِالرِّفْقِ وَالتَّلَطُّفِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدِ السُّؤَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَبِأَنْ لَا يُوجَدَ عَلَى وَجْهِ الْعُنْفِ أَوْلَى فَإِذَا امْتَنَعَ الْقِسْمَانِ فَقَدِ امْتَنَعَ حُصُولُ السُّؤَالِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ لَا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً كَالْمُوجِبِ لِعَدَمِ صُدُورِ السُّؤَالِ مِنْهُمْ أَصْلًا.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: هُوَ الَّذِي خَطَرَ بِبَالِي أَيْضًا فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِيمَا تَقَدَّمَ شِدَّةَ حَاجَةِ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ، وَمَنِ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَرْكُ السُّؤَالِ إِلَّا بِإِلْحَاحٍ شَدِيدٍ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَانُوا لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 69
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست