responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 6  صفحه : 369
مَرْجُوحًا كَانَ أَوْلَى بِامْتِنَاعِ الْوُقُوعِ، وَإِذَا صَارَ الْمُرَجِّحُ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ صَارَ الرَّاجِحُ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، ضَرُورَةَ/ أَنَّهُ لَا خُرُوجَ عَنِ النَّقِيضَيْنِ فَهَذَا هُوَ تَوْجِيهُ السُّؤَالِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ بِالْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي تَقْرِيرِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَيَّنَ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا كَانَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ دُونَ الْمَحْظُورَاتِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَقَطَ الْإِشْكَالُ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ بِهَذَا التَّزْيِينِ الْكُفَّارَ، وتزيين المباحات لا يختص به الكافر، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا التَّزْيِينِ تَزْيِينَ الْمُبَاحَاتِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا تَمَتَّعَ بِالْمُبَاحَاتِ مِنْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا يَكُونُ تَمَتُّعُهُ بِهَا مَعَ الْخَوْفِ وَالْوَجَلِ مِنَ الْحِسَابِ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ وَجَاهُهُ فَعَيْشُهُ مُكَدَّرٌ مُنَغَّصٌ، وَأَكْثَرُ غَرَضِهِ أَجْرُ الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا يَعُدُّ الدُّنْيَا كَالْوَسِيلَةِ إِلَيْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَافِرُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ قَلَّتْ ذَاتُ يَدِهِ فَسُرُورُهُ بِهَا يَكُونُ غَالِبًا عَلَى ظَنِّهِ، لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا كَمَالُ الْمَقْصُودِ دُونَ غَيْرِهَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُهُ صَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ تَزْيِينَ الْمُبَاحَاتِ، وَأَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى أَتْبَعَ تِلْكَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ فِي تَرْكِهِمُ اللَّذَّاتِ الْمَحْظُورَةَ، وَتَحَمُّلِهِمُ الْمَشَاقَّ الْوَاجِبَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ التَّزْيِينَ مَا وَقَعَ فِي الْمُبَاحَاتِ بَلْ وَقَعَ فِي الْمَحْظُورَاتِ.
وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَإِنَّهُمْ حَمَلُوا التَّزْيِينَ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ فِي قَلْبِهِ إِرَادَةَ الْأَشْيَاءِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى تِلْكَ الْأَشْيَاءِ، بَلْ خَلَقَ تِلْكَ الْأَفْعَالَ وَالْأَحْوَالَ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْخَالِقَ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ لَيْسَ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا فَقَدْ رُوِّينَا فِي كَيْفِيَّةِ تِلْكَ السُّخْرِيَةِ وُجُوهًا مِنَ الرِّوَايَاتِ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَوْلُهُ: وَيَسْخَرُونَ مُسْتَأْنَفٌ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى زُيِّنَ، وَلَا يَبْعُدُ اسْتِئْنَافُ الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ الْمَاضِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بزين وَهُوَ مَاضٍ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِفِعْلٍ يُدِيمُونَهُ فَقَالَ: وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَمَعْنَى هَذِهِ السُّخْرِيَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينُ تَرَكُوا لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَطَيِّبَاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا وَيَتَحَمَّلُونَ الْمَشَاقَّ وَالْمَتَاعِبَ لِطَلَبِ الْآخِرَةِ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْآخِرَةِ قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالْمَعَادِ لَكَانَتْ هَذِهِ السُّخْرِيَةُ لَازِمَةً أَمَّا لَوْ ثبت القول بصحة المعاد لكانت السُّخْرِيَةُ مُنْقَلِبَةً عَلَيْهِمْ لَأَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْمُلْكِ الْأَبَدِيِّ بِسَبَبِ لَذَّاتٍ حَقِيرَةٍ فِي أَنْفَاسٍ مَعْدُودَةٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْخَلْقِ أَحَدٌ أَوْلَى بِالسُّخْرِيَةِ مِنْهُ، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الْإِعْرَاضُ عَنِ الدُّنْيَا، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ هُوَ الْحَزْمُ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ فَإِنَّهُ إِنْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالْآخِرَةِ لَمْ يَكُنِ الْفَائِتُ إِلَّا لَذَّاتٍ حَقِيرَةً وَأَنْفَاسًا مَعْدُودَةً وَإِنْ صَحَّ الْقَوْلُ بِالْآخِرَةِ كَانَ الْإِعْرَاضُ عَنِ الدُّنْيَا وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ أَمْرًا مُتَعَيَّنًا فَثَبَتَ أَنَّ تِلْكَ السُّخْرِيَةَ كَانَتْ بَاطِلَةً وَأَنَّ عَوْدَ السُّخْرِيَةِ عَلَيْهِمْ أَوْلَى.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَفِيهِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ قَالَ: مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا.
الْجَوَابُ: لِيُظْهِرَ بِهِ أَنَّ السَّعَادَةَ الْكُبْرَى لَا تَحْصُلُ إِلَّا للمؤمن التقي، وليكون بعثا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّقْوَى.
السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْفَوْقِيَّةِ؟
الْجَوَابُ: فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَوْقِيَّةِ الْفَوْقِيَّةَ بِالْمَكَانِ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَكُونُونَ فِي عِلِّيِّينَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 6  صفحه : 369
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست