responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 6  صفحه : 368
يُزَيِّنُ لِلْآخَرِ، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ دَوْرًا فَثَبَتَ أَنَّ الذين يُزَيِّنُ الْكُفْرَ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُغَايِرًا لَهُمْ، فَبَطَلَ قَوْلُهُ: إِنَّ الْمُزَيِّنَ هُمْ غُوَاةُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْغُوَاةَ دَاخِلُونَ فِي الْكُفَّارِ أَيْضًا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُزَيِّنَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَهُمْ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: الْمُزَيِّنُ لِلشَّيْءِ هُوَ الْمُخْبِرُ عَنْ حُسْنِهِ فَهَذَا مَمْنُوعٌ، بَلِ الْمُزَيِّنُ مَنْ يَجْعَلُ الشَّيْءَ مَوْصُوفًا بِالزِّينَةِ، وَهِيَ صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِالشَّيْءِ بِاعْتِبَارِهَا يَكُونُ الشَّيْءُ مُزَيَّنًا، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ سَقَطَ كَلَامُهُ، ثُمَّ إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُزَيِّنَ لِلشَّيْءِ هُوَ الْمُخْبِرُ عَنْ حُسْنِهِ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ حُسْنِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَمَّا فِيهَا مِنَ اللَّذَّاتِ وَالطَّيِّبَاتِ/ وَالرَّاحَاتِ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِكَذِبٍ، وَالتَّصْدِيقُ بِهَا لَيْسَ بِكُفْرٍ، فَسَقَطَ كَلَامُ أَبِي عَلِيٍّ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ.
التَّأْوِيلُ الثَّانِي: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: يُحْتَمَلُ فِي زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ زَيَّنُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَالْعَرَبُ يَقُولُونَ لِمَنْ يبعد منهم: أين يذهب بل لَا يُرِيدُونَ أَنَّ ذَاهِبًا ذَهَبَ بِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيِ الْكَثِيرَةِ: أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة: 75، التوبة: 30، المنافقون: 4] ، أَنَّى يُصْرَفُونَ [غَافِرٍ: 69] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَكَّدَهُ بقوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الْمُنَافِقُونَ: 9] فَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَيْهِمَا لَمَّا كَانَا كَالسَّبَبِ، وَلَمَّا كَانَ الشَّيْطَانُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَحْمِلَ الْإِنْسَانَ عَلَى الْفِعْلِ قَهْرًا فَالْإِنْسَانُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الَّذِي زَيَّنَ لِنَفْسِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: زُيِّنَ يَقْتَضِي أَنْ مُزَيِّنًا زَيَّنَهُ، وَالْعُدُولُ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْمُزَيِّنَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الْكَهْفِ: 7] ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ ذَكَرُوا وُجُوهًا الْأَوَّلُ: يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى هُوَ الْمُزَيِّنُ بِمَا أَظْهَرَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الزَّهْرَةِ وَالنَّضَارَةِ وَالطِّيبِ وَاللَّذَّةِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ ابْتِلَاءً لِعِبَادِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ [آلِ عِمْرَانَ: 14] إِلَى قَوْلِهِ: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ [آلِ عِمْرَانَ: 15] وَقَالَ أَيْضًا: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا [الْكَهْفِ: 46] وَقَالُوا: فَهَذِهِ الْآيَاتُ مُتَوَافِقَةٌ، وَالْمَعْنَى فِي الْكُلِّ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ ابْتِلَاءٍ وَامْتِحَانٍ، فَرَكَّبَ فِي الطِّبَاعِ الْمَيْلَ إِلَى اللَّذَّاتِ وَحُبِّ الشَّهَوَاتِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِلْجَاءِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّحْبِيبِ الَّذِي تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ مَعَ إِمْكَانِ رَدِّهَا عَنْهُ لِيَتِمَّ بِذَلِكَ الِامْتِحَانُ، وَلِيُجَاهِدَ الْمُؤْمِنُ هَوَاهُ فَيُقْصِرَ نَفْسَهُ عَلَى الْمُبَاحِ وَيَكُفَّهَا عَنِ الْحَرَامِ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّزْيِينِ أَنَّهُ تَعَالَى أَمْهَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنِ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا، وَالْحِرْصِ الشَّدِيدِ فِي طَلَبِهَا، فَهَذَا الْإِمْهَالُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّزْيِينِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا سُؤَالٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الزِّينَةِ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ وَإِلَّا فَقَدَ وَقَعَ الْمُحْدَثُ لَا عَنْ مُؤَثِّرٍ وَهَذَا مُحَالٌ ثُمَّ هَذَا التَّزْيِينُ الْحَاصِلُ فِي قُلُوبِ الْكُفَّارِ هَلْ رَجَّحَ جَانِبَ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ عَلَى جَانِبِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ أَوْ مَا رَجَّحَ فَإِنْ لَمْ يُرَجِّحِ أَلْبَتَّةَ بَلِ الْإِنْسَانُ مَعَ حُصُولِ هَذِهِ الزِّينَةِ فِي قَلْبِهِ كَهُوَ لَا مَعَ حُصُولِهَا فِي قَلْبِهِ فَهَذَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ تَزْيِينًا فِي قَلْبِهِ، وَالنَّصُّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ هَذَا التَّزْيِينُ، وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ حُصُولَ هَذَا التَّزْيِينِ فِي قَلْبِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، عَلَى جَانِبِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، فَقَدْ زَالَ الِاخْتِيَارُ لِأَنَّ حَالَ الِاسْتِوَاءِ لَمَّا امْتَنَعَ حُصُولُ الرُّجْحَانِ، فَحَالُ صَيْرُورَةِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 6  صفحه : 368
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست