responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 137
الْعُمْرَةِ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى الْبَيْتِ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الزِّيَارَةِ، لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ كَالزَّائِرِ، وَأَمَّا الْجَنَاحُ فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَنَحَ إِلَى كَذَا أَيْ مَالَ إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الْأَنْفَالِ: 61] وَجَنَحَتِ السَّفِينَةُ إِذَا لَزِمَتِ الْمَاءَ فَلَمْ تَمْضِ، وَجَنَحَ الرَّجُلُ فِي الشَّيْءِ يُعَلِّمُهُ بِيَدِهِ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ بِصَدْرِهِ وَقِيلَ لِلْأَضْلَاعِ: جَوَانِحُ لِاعْوِجَاجِهَا، وَجَنَاحُ الطَّائِرِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ يَمِيلُ فِي أَحَدِ شِقَّيْهِ وَلَا يَطِيرُ عَلَى مُسْتَوَى خِلْقَتِهِ فَثَبَتَ أَنَّ أَصْلَهُ مِنَ الْمَيْلِ، ثُمَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ بَقِيَ فِي عُرْفِ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ أَيْضًا فَمَعْنَى: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَيْنَمَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ: لَا مَيْلَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ بِمُطَالَبَةِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَيْلِ إِلَى الْبَاطِلِ وَإِلَى مَا يَأْثَمُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أَيْ يَتَطَوَّفَ فَأُدْغِمَتِ التاء في الطاء كما قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: 1] ، يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [الْمُزَّمِّلِ: 1] أَيْ الْمُتَدَثِّرُ وَالْمُتَزَمِّلُ، وَيُقَالُ: طَافَ وَأَطَافَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَالَّذِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِثْمَ فِي فِعْلِهِ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ، ثُمَّ يَمْتَازُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ عن الآخر بقيد زائد، فإذن ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاجِبٌ، أَوْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِأَنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَقْسَامِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ الْبَتَّةَ عَلَى خُصُوصِيَّةٍ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا السَّعْيَ رُكْنٌ، وَلَا يَقُومُ الدَّمُ مَقَامَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَيَقُومُ الدَّمُ مَقَامَهُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ، أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: مَا
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ فَاسْعَوْا» ،
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ السَّعْيِ وَهُوَ الْعَدْوُ، ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّعْيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعَدْوِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الْجُمُعَةِ: 9] وَالْعَدْوُ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى [النَّجْمِ: 39] وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَدْوَ، بَلِ الْجِدَّ وَالِاجْتِهَادَ فِي الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْعَدْوِ، وَلَكِنَّ الْعَدْوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى صِفَةِ تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ فِي حَقِّ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَيَبْقَى أَصْلُ الْمَشْيِ وَاجِبًا.
وَثَانِيهَا: مَا ثَبَتَ
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَعَى لَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا فِي حَجَّتِهِ، وَقَالَ: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى/ الْبَيْتَ،
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَعَى وَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْنَا السَّعْيُ لِلْقُرْآنِ وَالْخَبَرِ، أَمَّا الْقُرْآنُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّبِعُوهُ وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آلِ عِمْرَانَ: 31] وَقَوْلُهُ: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الْأَحْزَابِ: 21] وَأَمَّا الْخَبَرُ
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ أَشْوَاطٌ شُرِعَتْ فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْحَرَمِ، أَوْ يُؤْتَى بِهِ فِي إِحْرَامٍ كَامِلٍ فَكَانَ جِنْسُهَا رُكْنًا كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَا يَلْزَمُ طَوَافُ الصَّدْرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ لِلْجِنْسِ لِوُجُوبِهِ مَرَّةً، وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هَذِهِ الْآيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَهَذَا لَا يُقَالُ فِي الْوَاجِبَاتِ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَبَيَّنَ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
وَثَانِيهِمَا:
قَوْلُهُ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»
وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّمَامَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، فَيَبْقَى مَعْمُولًا بِهِ فِي السَّعْيِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: مَا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى فَاعِلِهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 137
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست