responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 313
يَقُولُ: جَمِيعُ مَا نِلْتَ مِنِّي عَطِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ كَوْثَرًا إِلَّا أَنَّ الْأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ الْكَوْثَرِ أَنْ تَبْقَى مُظَفَّرًا وَخَصْمُكَ أَبْتَرُ، فَإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ بِالتَّقْدِمَةِ هَذَا الْكَوْثَرَ، أَمَّا الذِّكْرُ الْبَاقِي وَالظَّفَرُ عَلَى الْعَدُوِّ فَلَا يَحْسُنُ إِعْطَاؤُهُ إِلَّا بَعْدَ التَّقْدِمَةِ بِطَاعَةٍ تَحْصُلُ مِنْكَ: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ أَيْ فَاعْبُدْ لِي وَسَلِ الظَّفَرَ بَعْدَ الْعِبَادَةِ
فَإِنِّي أَوْجَبْتُ عَلَى كَرَمِي أَنَّ بَعْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، كَذَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ،
فَحِينَئِذٍ أَسْتَجِيبُ فَيَصِيرُ/ خَصْمُكَ أَبْتَرَ وَهُوَ الْإِيتَاءُ، فَهَذَا مَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ أَمَّا الْكَوْثَرَ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ فَوَعْلٌ مِنَ الْكَثْرَةِ وَهُوَ الْمُفْرِطُ فِي الْكَثْرَةِ، قِيلَ لِأَعْرَابِيَّةٍ رَجَعَ ابْنُهَا من السفر، بم آب ابنك؟ قَالَتْ: آبَ بِكَوْثَرٍ، أَيْ بِالْعَدَدِ الْكَثِيرِ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْكَثِيرِ الْعَطَاءِ: كَوْثَرٌ، قَالَ الْكُمَيْتُ:
وَأَنْتَ كَثِيرٌ يَا ابْنَ مَرْوَانَ طَيِّبُ ... وَكَانَ أَبُوكَ ابْنُ الْفَضَائِلِ كَوْثَرَا
وَيُقَالُ لِلْغُبَارِ إِذَا سَطَعَ وَكَثُرَ كَوْثَرٌ هَذَا مَعْنَى الْكَوْثَرِ فِي اللُّغَةِ، وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ عَلَى وُجُوهٍ الْأَوَّلُ:
وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمُسْتَفِيضُ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ،
رَوَى أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ فَضَرَبْتُ بِيَدِي إِلَى مَجْرَى الْمَاءِ فَإِذَا أَنَا بِمِسْكٍ أَذْفَرَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قِيلَ:
الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ»
وَفِي رِوَايَةِ أَنَسٍ: «أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فِيهِ طُيُورٌ خُضْرٌ لَهَا أَعْنَاقٌ كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ مَنْ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ الطَّيْرِ وَشَرِبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَازَ بِالرِّضْوَانِ»
وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ النَّهْرُ كَوْثَرًا إِمَّا لِأَنَّهُ أَكْثَرُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ مَاءً وَخَيْرًا أَوْ لِأَنَّهُ انْفَجَرَ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، كَمَا
رُوِيَ أَنَّهُ مَا فِي الْجَنَّةِ بُسْتَانٌ إِلَّا وَفِيهِ مِنَ الْكَوْثَرِ نَهْرٌ جَارٍ،
أَوْ لِكَثْرَةِ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ مِنْهَا، أَوْ لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي فِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ»
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ حَوْضٌ وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مَشْهُورَةٌ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ، وَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ: لَعَلَّ النَّهْرَ يَنْصَبُّ فِي الْحَوْضِ أَوْ لَعَلَّ الْأَنْهَارَ إِنَّمَا تَسِيلُ مِنْ ذَلِكَ الْحَوْضِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْحَوْضُ كَالْمَنْبَعِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: الْكَوْثَرُ أَوْلَادُهُ قَالُوا: لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى مَنْ عَابَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِعَدَمِ الْأَوْلَادِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُعْطِيهِ نَسْلًا يَبْقَوْنَ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ، فَانْظُرْ كَمْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، ثُمَّ الْعَالَمُ مُمْتَلِئٌ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ يُعْبَأُ بِهِ، ثُمَّ انْظُرْ كَمْ كَانَ فِيهِمْ مِنَ الْأَكَابِرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَالْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ وَالْكَاظِمِ وَالرِّضَا عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالنَّفْسُ الزَّكِيَّةُ وَأَمْثَالُهُمْ الْقَوْلُ الرَّابِعُ: الْكَوْثَرُ عُلَمَاءُ أُمَّتِهِ وَهُوَ لَعَمْرِي الْخَيْرُ الْكَثِيرِ لِأَنَّهُمْ كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ يُحِبُّونَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْشُرُونَ آثَارَ دِينِهِ وَأَعْلَامَ شَرْعِهِ، وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أُصُولِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ مُخْتَلِفِينَ فِي الشَّرِيعَةِ رَحْمَةً عَلَى الْخَلْقِ لِيَصِلَ كُلُّ أَحَدٍ إِلَى مَا هُوَ صَلَاحُهُ، كَذَا عُلَمَاءُ أُمَّتِهِ مُتَّفِقُونَ بِأَسْرِهِمْ عَلَى أُصُولِ شَرْعِهِ، لَكِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ رَحْمَةً عَلَى الْخَلْقِ، ثُمَّ الْفَضِيلَةُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ
يُرْوَى أَنَّهُ يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكُلِّ نَبِيٍّ وَيَتْبَعُهُ أُمَّتُهُ فَرُبَّمَا يَجِيءُ الرَّسُولُ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَيُجَاءُ بِكُلِّ عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ أُمَّتِهِ وَمَعَهُ الْأُلُوفُ الْكَثِيرَةُ فَيَجْتَمِعُونَ عِنْدَ الرَّسُولِ فَرُبَّمَا يَزِيدُ عَدَدُ مُتَّبِعِي بَعْضِ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَدِ مُتَّبِعِي أَلْفٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا مُصِيبِينَ لِاتِّبَاعِهِمُ النُّصُوصَ الْمَأْخُوذَةَ مِنَ الْوَحْيِ، وَعُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَكُونُونَ مُصِيبِينَ مَعَ كَدِّ الِاسْتِنْبَاطِ وَالِاجْتِهَادِ، أَوْ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ: إِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُخْطِئًا لَكِنَّ الْمُخْطِئَ يَكُونُ أيضا مأجورا القول الخامس: الكوثر هو النُّبُوَّةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا الْخَيْرُ الْكَثِيرُ لِأَنَّهَا الْمَنْزِلَةُ الَّتِي هِيَ ثَانِيَةُ الرُّبُوبِيَّةِ/ وَلِهَذَا قَالَ: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النِّسَاءِ: 80] وَهُوَ شَطْرُ الْإِيمَانِ بَلْ هِيَ كَالْغُصْنِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ مَعْرِفَةَ النُّبُوَّةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَقَدَّمَهَا مَعْرِفَةُ ذَاتِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 313
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست