responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 312
أَصْلًا بَلْ هِيَ مَحْضُ الِاخْتِيَارِ وَالْمَشِيئَةِ، كَمَا قَالَ: نَحْنُ قَسَمْنا [الزُّخْرُفِ: 32] اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الْحَجِّ: 75] .
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: قَالَ أَوَّلًا: إِنَّا أَعْطَيْناكَ ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إعطاؤه لِلتَّوْفِيقِ وَالْإِرْشَادِ سَابِقٌ عَلَى طَاعَاتِنَا، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَإِعْطَاؤُهُ إِيَّانَا صِفَتُهُ وَطَاعَتُنَا لَهُ صِفَتُنَا، وَصِفَةُ الْخَلْقِ لَا تَكُونُ مُؤَثِّرَةً فِي صِفَةِ الْخَالِقِ إِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ هُوَ صِفَةُ الْخَالِقِ فِي صِفَةِ الْخَلْقِ، وَلِهَذَا نُقِلَ عَنِ الْوَاسِطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْبُدُ رَبًّا يُرْضِيهِ طَاعَتِي وَيُسْخِطُهُ مَعْصِيَتِي وَمَعْنَاهُ أَنَّ رِضَاهُ وَسُخْطَهُ قَدِيمَانِ وَطَاعَتِي وَمَعْصِيَتِي مُحْدَثَتَانِ وَالْمُحْدَثُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي قَدِيمٍ، بَلْ رِضَاهُ عَنِ الْعَبْدِ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي السُّخْطِ وَالْمَعْصِيَةِ.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: قَالَ: أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ وَلَمْ يَقُلْ: آتَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَمْرَانِ/ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِيتَاءَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا وَأَنْ يَكُونَ تَفَضُّلًا، وَأَمَّا الْإِعْطَاءُ فَإِنَّهُ بِالتَّفَضُّلِ أَشْبَهُ فَقَوْلُهُ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ يَعْنِي هَذِهِ الْخَيْرَاتُ الْكَثِيرَةُ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ وَالنُّبُوَّةُ وَالذِّكْرُ الْجَمِيلُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مَحْضُ التَّفَضُّلِ مِنَّا إِلَيْكَ وَلَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْوُجُوبِ، وَفِيهِ بِشَارَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا شَرَعَ فِي التَّرْبِيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُهَا، بَلْ كَانَ كُلَّ يَوْمٍ يَزِيدُ فِيهَا الثَّانِي: أَنَّ مَا يَكُونُ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنَّهُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مُتَنَاهٍ، فَيَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِهِ مُتَنَاهِيًا، أَمَّا التَّفَضُّلُ فَإِنَّهُ نتيجة كرم الله وكرم اللَّهِ غَيْرُ مُتَنَاهٍ، فَيَكُونُ تَفَضُّلُهُ أَيْضًا غَيْرَ مُتَنَاهٍ، فَلَمَّا دَلَّ قَوْلُهُ: أَعْطَيْناكَ عَلَى أَنَّهُ تَفَضُّلٌ لَا اسْتِحْقَاقٌ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِالدَّوَامِ وَالتَّزَايُدِ أبدا. فإن قيل: أليس قال: آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الْحِجْرِ: 87] ؟ قُلْنَا: الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِعْطَاءَ يُوجِبُ التَّمْلِيكَ، وَالْمِلْكُ سَبَبُ الِاخْتِصَاصِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ سُلَيْمَانُ: هَبْ لِي مُلْكاً [ص: 35] فَقَالَ: هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ [ص: 39] وَلِهَذَا السَّبَبِ مَنْ حَمَلَ الْكَوْثَرَ عَلَى الْحَوْضِ قَالَ: الْأُمَّةُ تَكُونُ أَضْيَافًا لَهُ، أَمَّا الْإِيتَاءُ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَلِهَذَا قال في القرآن: آتَيْناكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِنْهُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْقُرْآنِ شَرِكَةٌ فِي الْعُلُومِ وَلَا عَيْبَ فِيهَا، أَمَّا الشَّرِكَةُ فِي النَّهْرِ، فَهِيَ شَرِكَةٌ فِي الْأَعْيَانِ وَهِيَ عَيْبٌ الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِعْطَاءَ أَلْيَقُ بِهَذَا الْمَقَامِ مِنَ الْإِيتَاءِ، هُوَ أَنَّ الْإِعْطَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى [النَّجْمِ: 34] أَمَّا الْإِيتَاءُ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْعَظِيمِ، قَالَ الله تعالى: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ [البقرة: 251] لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا [سَبَأٍ: 10] وَالْأَتِيُّ السَّيْلُ الْمُنْصَبُّ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ يُفِيدُ تَعْظِيمُ حَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: يَعْنِي هَذَا الْحَوْضُ كَالشَّيْءِ الْقَلِيلِ الْحَقِيرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ مُدَّخَرٌ لَكَ مِنَ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ وَالْمَرَاتِبِ الشَّرِيفَةِ، فَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْبِشَارَةَ بِأَشْيَاءَ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الْمَذْكُورِ وَثَانِيهَا: أَنَّ الْكَوْثَرَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَاءِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: الْمَاءُ فِي الدُّنْيَا دُونَ الطَّعَامِ، فَإِذَا كَانَ نَعِيمُ الْمَاءِ كَوْثَرًا، فَكَيْفَ سَائِرُ النَّعِيمِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ نَعِيمَ الْمَاءِ إِعْطَاءٌ وَنَعِيمَ الْجَنَّةِ إِيتَاءٌ وَرَابِعُهَا: كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُكَ، وَإِنْ كَانَ كَوْثَرًا لَكِنَّهُ فِي حَقِّكَ إِعْطَاءٌ لَا إِيتَاءٌ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّكَ، وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ الْمُهْدِي إِذَا كَانَ عَظِيمًا فَالْهَدِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةً، إِلَّا أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهَا حَقِيرَةٌ أَيْ هِيَ حَقِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَظَمَةِ الْمُهْدَى لَهُ فَكَذَا هاهنا وَخَامِسُهَا: أَنْ نَقُولَ: إِنَّمَا قَالَ فِيمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْكَوْثَرِ أَعْطَيْنَاكَ لِأَنَّهُ دُنْيَا، وَالْقُرْآنُ إِيتَاءٌ لِأَنَّهُ دِينٌ وَسَادِسُهَا: كَأَنَّهُ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 32  صفحه : 312
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست