responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 451
وَالْعَقْلِ، أَمَّا النَّقْلُ فَبِقَوْلِهِ: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَبِقَوْلِهِ: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ وَمَتَّى اجْتَمَعَ هَذَانِ النَّوْعَانِ، فَقَدْ بَلَغَ الْأَمْرُ إِلَى حَيْثُ تَمْتَنِعُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّه تَعَالَى لَا تَجِبُ إِلَّا بِالسَّمْعِ، قَالَ: لِأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَمَّهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ يَدْعُوهُمْ، فَعَلِمْنَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الذَّمِّ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ دَعْوَةِ الرَّسُولِ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ أَخْذِ الْمِيثَاقِ: قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ وَالْمُقَاتِلَانِ: يُرِيدُ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ، وَقَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ: 172] وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ أَخْذَ الْمِيثَاقِ لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْإِيمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَخْذُ الْمِيثَاقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلْقَوْمِ إِلَّا بِقَوْلِ الرَّسُولِ، فَقَبْلَ مَعْرِفَةِ صِدْقِ الرَّسُولِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي وُجُوبِ تَصْدِيقِ الرَّسُولِ، أَمَّا نَصْبُ الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ فَمَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، فَذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ تَفْسِيرَ الْآيَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ جَائِزٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْقَاضِي قَوْلُهُ: وَما لَكُمْ يَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْفِعْلِ، كَمَا لَا يقال: مالك لَا تَطُولُ وَلَا تَبِيضُ، فَيَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَعَلَى أَنَّ الْقُدْرَةَ صَالِحَةٌ لِلضِّدَّيْنِ، وَعَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ حَصَلَ بِالْعَبْدِ لَا بِخَلْقِ اللَّه.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قُرِئَ: وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، أَمَّا قَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَالْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ لِأَجْلِ دَلِيلٍ، فَمَا لَكَمَ لَا تُؤْمِنُونَ الْآنَ، فَإِنَّهُ قَدْ تَطَابَقَتِ الدَّلَائِلُ النَّقْلِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ، وبلغت مبلغا لا يمكن الزيادة عليها.

[سورة الحديد (57) : آية 9]
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (9)
قَالَ الْقَاضِي: بَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُ بِإِنْزَالِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي هِيَ الْقُرْآنُ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَلَوْ كَانَ تَعَالَى يُرِيدُ مِنْ بَعْضِهِمُ الثَّبَاتَ عَلَى ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ، وَيَخْلُقُ ذَلِكَ فِيهِمْ، وَيُقَدِّرُهُ لَهُمْ تَقْدِيرًا لَا يَقْبَلُ الزَّوَالَ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الْقَوْلُ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ ظَاهِرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُخْرِجُ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ مِنْ فِعْلِهِ؟
قُلْنَا: لَوْ أَرَادَ بِهَذَا الْإِخْرَاجِ خَلْقَ الْإِيمَانِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مَعْنًى، لِأَنَّهُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ، فَخَلَقَهُ لِمَا خَلَقَهُ لَا يَتَغَيَّرُ، فَالْمُرَادُ إِذَنْ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَلْطُفُ بِهِمْ فِي إِخْرَاجِهِمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى/ النُّورِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يُخْرِجُهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى خِسَّتِهِ وَرَوْغَتِهِ مَعَارَضٌ بِالْعِلْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ عِلْمَهُ سُبْحَانَهُ بِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ قَائِمٌ، وَعَالِمًا بِأَنَّ هَذَا الْعِلْمَ يُنَافِي وُجُودَ الْإِيمَانِ، فَإِذَا كَلَّفَهُمْ بِتَكْوِينِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ مَعَ عِلْمِهِ بِقِيَامِ الضِّدِّ الْآخَرِ فِي الْوُجُودِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ وَإِبْطَالُهُ، فَهَلْ يُعْقَلُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُرِيدَ بِهِمْ ذَلِكَ الْخَيْرَ وَالْإِحْسَانَ، لَا شك أن مِمَّا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَإِذَا تَوَجَّهَتِ الْمُعَارَضَةُ زَالَتْ تِلْكَ الْقُوَّةُ، أَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ فَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطْ، وَهَذَا التَّخْصِيصُ لَا وَجْهَ لَهُ، بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ سَائِرِ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ أداء التكاليف.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 451
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست