responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 450
مَعَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّه، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بِأَنْ يَعْرِفَهُ مَنْ عَرَفَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، كَانَ الْخِطَابُ مُتَوَجِّهًا عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِأَمْرِهِ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ مُتَوَجِّهًا عَلَى مَنْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَعْرِفَ كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِذَلِكَ الْأَمْرِ، وهذا تكليف مالا يُطَاقُ وَالْجَوَابُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: مَعْرِفَةُ وُجُودِ الصَّانِعِ حَاصِلَةٌ لِلْكُلِّ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَعْرِفَةُ الصِّفَاتِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ/ كَبِيرٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ أَمَرَ النَّاسَ أَوَّلًا بِأَنْ يَشْتَغِلُوا بِطَاعَةِ اللَّه، ثُمَّ أَمَرَهُمْ ثَانِيًا بِتَرْكِ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا وَإِنْفَاقِهَا فِي سَبِيلِ اللَّه، كَمَا قَالَ: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ [الأنعام: 91] ، فقوله: قُلِ اللَّهُ هو المراد هاهنا مِنْ قَوْلِهِ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَوْلِهِ: ثُمَّ ذَرْهُمْ هو المراد هاهنا مِنْ قَوْلِهِ: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَمْوَالَ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ إِنَّمَا هِيَ أَمْوَالُ اللَّه بِخَلْقِهِ وَإِنْشَائِهِ لَهَا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا تَحْتَ يَدِ الْمُكَلَّفِ، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ لِيَنْتَفِعَ بِهَا عَلَى وَفْقِ إِذَنِ الشَّرْعِ، فَالْمُكَلَّفُ فِي تَصَرُّفِهِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَالنَّائِبِ وَالْخَلِيفَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْكُمُ الْإِنْفَاقُ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ، كَمَا يَسْهُلُ عَلَى الرَّجُلِ النَّفَقَةُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، لِأَجْلِ أَنَّهُ نَقَلَ أَمْوَالَهُمْ إِلَيْكُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْثِ، فَاعْتَبِرُوا بِحَالِهِمْ، فَإِنَّهَا كَمَا انْتَقَلَتْ مِنْهُمْ إليكم فستنقل مِنْكُمْ إِلَى غَيْرِكُمْ فَلَا تَبْخَلُوا بِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِنْفَاقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ التَّطَوُّعُ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي جَمِيعِ وُجُوهِ الْبِرِّ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ضَمِنَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْرًا كَبِيرًا فَقَالَ:
فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ لَا يَحْصُلُ بِالْإِيمَانِ الْمُنْفَرِدِ حَتَّى يَنْضَافَ هَذَا الْإِنْفَاقُ إِلَيْهِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِالْوَاجِبِ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا فَلَا أَجْرَ لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ ضَعِيفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ الْأَجْرُ الْكَبِيرُ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ أصلا. وقوله تعالى:

[سورة الحديد (57) : آية 8]
وَما لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَبَخَّ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدْعُوَ الرَّسُولُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتْلُو عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الدَّلَائِلِ الْوَاضِحَةِ الثَّانِي: أَنَّهُ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرُوا فِي أَخْذِ الْمِيثَاقِ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: مَا نُصِبَ فِي الْعُقُولِ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ دَعْوَةِ الرُّسُلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ تِلْكَ الدَّلَائِلَ كَمَا اقْتَضَتْ وُجُوبَ الْقَبُولِ فَهِيَ أَوْكَدُ مِنَ الْحَلْفِ وَالْيَمِينِ، / فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ مِيثَاقًا، وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّهُ تَطَابَقَتْ دَلَائِلُ النَّقْلِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 29  صفحه : 450
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست