responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 575
وَذَلِكَ هُوَ الثَّوَابُ، فَإِنْ قِيلَ الْحَسَنَةُ الَّتِي جَاءَ الْعَبْدُ بِهَا يَدْخُلُ فِيهَا مَعْرِفَةُ اللَّه تَعَالَى وَالْإِخْلَاصُ فِي الطَّاعَاتِ وَالثَّوَابُ، إِنَّمَا هُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ خَيْرٌ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّه جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ ثَوَابَ الْمَعْرِفَةِ النَّظَرِيَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي الدُّنْيَا هِيَ الْمَعْرِفَةُ الضَّرُورِيَّةُ الْحَاصِلَةُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَذَّةُ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقَدْ دَلَّتِ الدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّ أَشْرَفَ السَّعَادَاتِ هِيَ هَذِهِ اللَّذَّةُ، وَلَوْ لَمْ تُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ خَيْرًا مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّه تَعَالَى وَأَنَّهُ بَاطِلٌ وَثَانِيهَا: أَنَّ الثَّوَابَ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الثَّوَابَ دَائِمٌ وَالْعَمَلَ مُنْقَضِي وَلِأَنَّ الْعَمَلَ فِعْلُ الْعَبْدِ، وَالثَّوَابَ فِعْلُ اللَّه تَعَالَى وَثَالِثُهَا: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها أَيْ لَهُ خَيْرٌ حَاصِلٌ مِنْ جِهَتِهَا وَهُوَ الْجَنَّةُ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: الْحَسَنَةُ لَفْظَةٌ مُفْرَدَةٌ مُعَرَّفَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْعُمُومَ بَلْ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهَا حُصُولُ فَرْدٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْنَحْمِلْهَا عَلَى أَكْمَلِ الْحَسَنَاتِ شَأْنًا وَأَعْلَاهَا دَرَجَةً وَهُوَ الْإِيمَانُ، فَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَفْرَادِ الْحَسَنَةِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِأَنْ لَا يُعَاقَبَ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَجَوَابُهُ: ذَلِكَ الْخَيْرُ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ عِقَابُهُ مُخَلَّدًا الْأَمْرُ الثَّانِي: لِلْمُطِيعِ هُوَ أَنَّهُمْ آمِنُونَ مِنْ كُلِّ فَزَعٍ، لَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ أَهْوَالَ الْقِيَامَةِ تَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [النَّمْلِ: 87] فكيف نفى الفزع هاهنا؟ جَوَابُهُ: أَنَّ الْفَزَعَ الْأَوَّلَ هُوَ مَا لَا يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ عِنْدَ الْإِحْسَاسِ لِشِدَّةٍ تَقَعُ وَهُوَ يَفْجَأُ مِنْ رُعْبٍ وَهَيْبَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُحْسِنُ يَأْمَنُ وُصُولَ ذَلِكَ الضَّرَرِ إِلَيْهِ كَمَا قِيلَ، يَدْخُلُ الرَّجُلُ بِصَدْرٍ هَيَّابٍ وَقَلْبٍ وَجَّابٍ، وَإِنْ كَانَتْ سَاعَةَ إِعْزَازٍ وَتَكْرِمَةٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْخَوْفُ مِنَ الْعَذَابِ. أَمَّا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ مِنْ فَزَعٍ بِالتَّنْوِينِ فَهِيَ تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مِنْ فَزَعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ خَوْفُ الْعِقَابِ، وَأَمَّا مَا يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْهَيْبَةِ وَالرُّعْبِ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْأَهْوَالِ فَلَا يَنْفَكُّ مِنْهُ أَحَدٌ، وَفِي الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمِنْ فَزَعٍ شَدِيدٍ مُفْرِطِ الشِّدَّةِ لَا يَكْتَنِهُهُ الْوَصْفُ، وَهُوَ خَوْفُ النَّارِ وَأَمِنَ يُعَدَّى بِالْجَارِّ وَبِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ [الْأَعْرَافِ: 99] فَهَذَا شَرْحُ حَالِ الْمُطِيعِينَ، أَمَّا شَرْحُ حَالِ الْعُصَاةِ فَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ قِيلَ السَّيِّئَةُ الْإِشْرَاكُ وَقَوْلُهُ: فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُعَبِّرُ عَنِ الْجُمْلَةِ بِالوجه وَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ فَكُبُّوا فِي النَّارِ كَقَوْلِهِ: فَكُبْكِبُوا [الشُّعَرَاءِ: 94] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْوُجُوهِ إِيذَانًا بِأَنَّهُمْ يُلْقَوْنَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِيهَا (مَكْبُوبِينَ) [1] .
أَمَّا قَوْلُهُ: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَيَجُوزُ فِيهِ الِالْتِفَاتُ، وَحِكَايَةُ مَا يُقَالُ لهم عند الكب بإضمار القول.

[سورة النمل (27) : الآيات 91 الى 93]
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ الْمَبْدَأَ وَالْمَعَادَ وَالنُّبُوَّةَ وَمُقَدِّمَاتِ الْقِيَامَةِ وَصِفَةَ أَهْلِ الْقِيَامَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَذَلِكَ كَمَالُ مَا يَتَعَلَّقُ بِبَيَانِ أُصُولِ الدِّينِ خَتَمَ الْكَلَامَ بِهَذِهِ الْخَاتِمَةِ اللَّطِيفَةِ فَقَالَ: قُلْ يَا محمد إني

[1] في الكشاف (منكوسين) .
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 575
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست