responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 65
تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً بِمَعْنَى أَيْ، وَيَكُونَ الْمَعْنَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَيْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ، كَأَنَّ الْمَعْنَى قُلْنَا لَهُ: أَخْرِجْ قَوْمَكَ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا [ص: 6] أَيِ امْشُوا، وَالتَّأْوِيلُ قِيلَ لَهُمُ:
امْشُوا، وَتَصْلُحُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْمُخَفَّفَةَ الَّتِي هِيَ لِلْخَبَرِ، وَالْمَعْنَى: أَرْسَلْنَاهُ بِأَنْ يُخْرِجَ قَوْمَهُ إِلَّا أَنَّ الْجَارَّ حُذِفَ وَوُصِلَتْ (أَنْ) بِلَفْظِ الْأَمْرِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَنْ قُمْ وَأَمَرْتُهُ أَنْ قُمْ، ثُمَّ إِنَّ الزَّجَّاجَ حَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ سِيبَوَيْهِ.
أما قوله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا:
أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ، وَالثَّانِي: أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَيَّامٌ جَمْعُ يَوْمٍ، وَالْيَوْمُ هُوَ مِقْدَارُ الْمُدَّةِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا، وَكَانَتِ الْأَيَّامُ فِي الْأَصْلِ أَيْوَامٌ فَاجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ، فَأُدْغِمَتْ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَغَلَبَتِ الْيَاءُ.
المسألة الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُعَبَّرُ بِالْأَيَّامِ عَنِ الْوَقَائِعِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا. يُقَالُ: فُلَانٌ عَالِمٌ بِأَيَّامِ الْعَرَبِ وَيُرِيدُ وَقَائِعَهَا وَفِي الْمَثَلِ مَنْ يُرَ يَوْمًا يُرَ لَهُ مَعْنَاهُ من رؤي فِي يَوْمٍ مَسْرُورًا بِمَصْرَعِ غَيْرِهِ يُرَ فِي يَوْمٍ آخَرَ حَزِينًا بِمَصْرَعِ نَفْسِهِ وَقَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ [آلِ عِمْرَانَ: 140] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَالْمَعْنَى عِظْهُمْ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَالتَّرْغِيبُ وَالْوَعْدُ أَنْ يُذَكِّرَهُمْ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ آمَنَ بِالرُّسُلِ فِي سَائِرِ مَا سَلَفَ مِنَ الْأَيَّامِ، وَالتَّرْهِيبُ وَالْوَعِيدُ: أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بَأْسَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ وَانْتِقَامَهُ مِمَّنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ مِمَّنْ سَلَفَ مِنَ الْأُمَمِ فِيمَا سَلَفَ مِنَ الْأَيَّامِ، مِثْلُ مَا نَزَلَ بِعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، لِيَرْغَبُوا فِي الْوَعْدِ فَيُصَدِّقُوا وَيَحْذَرُوا مِنَ الْوَعِيدِ فَيَتْرُكُوا التَّكْذِيبَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَيَّامَ اللَّهِ فِي حَقِّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهَا مَا كَانَ أَيَّامَ الْمِحْنَةِ وَالْبَلَاءِ وَهِيَ الْأَيَّامُ الَّتِي كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِيهَا تَحْتَ قَهْرِ فِرْعَوْنَ وَمِنْهَا مَا كَانَ أَيَّامَ الرَّاحَةِ وَالنَّعْمَاءِ مِثْلَ إِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَانْفِلَاقِ الْبَحْرِ وَتَظْلِيلِ الْغَمَامِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ فِي ذَلِكَ التَّذْكِيرِ وَالتَّنْبِيهِ دَلَائِلَ لِمَنْ كَانَ صَبَّارًا شَكُورًا، لِأَنَّ الْحَالَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالَ مِحْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ أَوْ حَالَ مِنْحَةٍ وَعَطِيَّةٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، كَانَ الْمُؤْمِنُ صَبَّارًا، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ شَكُورًا. وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْلُوَ زَمَانُهُ عَنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ جَرَى الْوَقْتُ عَلَى مَا يُلَائِمُ طَبْعَهُ وَيُوَافِقُ إِرَادَتَهُ كَانَ مَشْغُولًا بِالشُّكْرِ، وَإِنْ جَرَى بِمَا لَا يُلَائِمُ طَبْعَهُ كَانَ مَشْغُولًا بالصبر.
فإن قيل: إن ذلك التَّذْكِيرَاتِ آيَاتٌ لِلْكُلِّ فَلِمَاذَا خَصَّ الصَّبَّارَ الشَّكُورَ بِهَا؟
قُلْنَا: فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِتِلْكَ الْآيَاتِ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَيْسَتْ آيَاتٍ إِلَّا لَهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [الْبَقَرَةِ: 2] وَقَوْلُهُ: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها [النَّازِعَاتِ: 45] . وَالثَّانِي: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: الِانْتِفَاعُ بِهَذَا النوع مِنَ التَّذْكِيرِ لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ إِلَّا لِمَنْ كَانَ صَابِرًا أَوْ شَاكِرًا، أَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَمْ ينتفع بهذه الآيات.
[في قوله تعالى وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إلى قوله وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى، حَكَى عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 65
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست