responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 83
بِدَعْوَةِ الْخَلْقِ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ. وَفِي الْآيَةِ مسائل:
المسألة الأول: ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً يَقْتَضِي نُزُولَ الْمَطَرِ مِنَ السَّمَاءِ، وَعِنْدَ هَذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» : إِنَّهُ تَعَالَى يُنْزِلُ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّحَابِ، وَمِنَ السَّحَابِ إِلَى الْأَرْضِ. قَالَ لِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ يَقْتَضِي نُزُولَ الْمَطَرِ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْعُدُولُ عَنِ الظَّاهِرِ إِلَى التَّأْوِيلِ، إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ إِجْرَاءَ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ نُزُولِ الْمَطَرِ مِنَ السَّمَاءِ، فَوَجَبَ إِجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْبُخَارَاتِ الْكَثِيرَةَ تَجْتَمِعُ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ. ثُمَّ تَصْعَدُ وَتَرْتَفِعُ إِلَى الْهَوَاءِ، فَيَنْعَقِدُ الْغَيْمُ مِنْهَا وَيَتَقَاطَرُ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَطَرُ، فَقَدِ احْتَجَّ الْجُبَّائِيُّ عَلَى فَسَادِهِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْبَرْدَ قَدْ يُوجَدُ فِي وَقْتِ الْحَرِّ، بَلْ فِي صَمِيمِ الصَّيْفِ، وَنَجِدُ الْمَطَرَ فِي أَبْرَدِ وَقْتٍ يَنْزِلُ غَيْرَ جَامِدٍ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْقَوْمَ يُجِيبُونَ عَنْهُ فَيَقُولُونَ: لَا شَكَّ أَنَّ الْبُخَارَ أَجْزَاءٌ مائة وَطَبِيعَتُهَا الْبَرْدُ، فَفِي وَقْتِ الصَّيْفِ يَسْتَوْلِي الْحَرُّ عَلَى ظَاهِرِ السَّحَابِ، فَيَهْرُبُ الْبَرْدُ إِلَى بَاطِنِهِ، فَيَقْوَى الْبَرْدُ هُنَاكَ بِسَبَبِ الِاجْتِمَاعِ، فَيَحْدُثُ الْبَرْدُ، وَأَمَّا فِي وَقْتِ بَرْدِ الْهَوَاءِ يَسْتَوْلِي الْبَرْدُ عَلَى ظَاهِرِ السَّحَابِ، فَلَا يَقْوَى الْبَرْدُ فِي بَاطِنِهِ، فَلَا جَرَمَ لَا يَنْعَقِدُ جَمَدًا بَلْ يَنْزِلُ مَاءً، هَذَا مَا قَالُوهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الطَّبَقَةَ الْعَالِيَةَ مِنَ الْهَوَاءِ بَارِدَةٌ جِدًّا عِنْدَكُمْ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ يَوْمًا بَارِدًا شَدِيدَ الْبَرْدِ فِي صَمِيمِ الشِّتَاءِ، فَتِلْكَ الطَّبَقَةُ بَارِدَةٌ جِدًّا، وَالْهَوَاءُ الْمُحِيطُ بِالْأَرْضِ أَيْضًا بَارِدٌ جِدًّا، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَدَّ الْبَرْدُ، وَأَنْ لَا يَحْدُثَ الْمَطَرُ فِي الشِّتَاءِ الْبَتَّةَ، وَحَيْثُ شَاهَدْنَا أَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ فَسَدَ قَوْلُكُمْ، واللَّه أَعْلَمُ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: مِمَّا ذَكَرَهُ الْجُبَّائِيُّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْبُخَارَاتِ إِذَا ارْتَفَعَتْ وَتَصَاعَدَتْ تَفَرَّقَتْ وَإِذَا تَفَرَّقَتْ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْهَا قَطَرَاتُ الْمَاءِ، بَلِ الْبُخَارُ إِنَّمَا يَجْتَمِعُ إِذَا اتَّصَلَ بِسَقْفٍ مُتَّصِلٍ أَمْلَسَ كَسُقُوفِ الْحَمَّامَاتِ الْمُزَجَّجَةِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَسِلْ مِنْهُ مَاءٌ كَثِيرٌ، فَإِذَا تَصَاعَدَتِ الْبُخَارَاتُ فِي الْهَوَاءِ، وَلَيْسَ فَوْقَهَا سَطْحٌ أَمْلَسُ مُتَّصِلٌ بِهِ تِلْكَ الْبُخَارَاتُ، وَجَبَ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْقَوْمُ يُجِيبُونَ عَنْهُ: بِأَنَّ هَذِهِ الْبُخَارَاتِ إِذَا تَصَاعَدَتْ وَتَفَرَّقَتْ، فَإِذَا وَصَلَتْ عِنْدَ صُعُودِهَا وَتَفَرُّقِهَا إِلَى الطَّبَقَةِ الْبَارِدَةِ مِنَ الْهَوَاءِ بَرَدَتْ، وَالْبَرَدُ يُوجِبُ الثِّقَلَ وَالنُّزُولَ، فَبِسَبَبِ قُوَّةِ ذَلِكَ الْبَرْدِ عَادَتْ مِنَ الصُّعُودِ إلى النزول، والعالم كري الشَّكْلِ، فَلَمَّا رَجَعَتْ مِنَ الصُّعُودِ إِلَى النُّزُولِ، فَقَدْ رَجَعَتْ مِنْ فَضَاءِ الْمُحِيطَ إِلَى ضِيقِ الْمَرْكَزِ، فَتِلْكَ الذَّرَّاتُ بِهَذَا السَّبَبِ تَلَاصَقَتْ وَتَوَاصَلَتْ، فَحَصَلَ مِنَ اتِّصَالِ بَعْضِ تِلْكَ الذَّرَّاتِ بَعْضُ قَطَرَاتِ الْأَمْطَارِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: مَا ذَكَرَهُ الْجُبَّائِيُّ قَالَ: لَوْ كَانَ تَوَلُّدُ الْمَطَرِ مِنْ صُعُودِ الْبُخَارَاتِ، فَالْبُخَارَاتُ دَائِمَةُ الِارْتِفَاعِ مِنَ الْبِحَارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَدُومَ هُنَاكَ نُزُولُ الْمَطَرِ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، عَلِمْنَا فَسَادَ قَوْلِهِمْ. قَالَ: فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ، أَنَّهُ لَيْسَ تَوَلُّدُ الْمَطَرِ مِنْ بُخَارِ الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْقَوْمُ إِنَّمَا احْتَاجُوا إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْأَجْسَامَ قَدِيمَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ قَدِيمَةً امْتَنَعَ دُخُولُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِيهَا، وَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ إِلَّا اتِّصَافَ تِلْكَ الذَّرَّاتِ بِصِفَةٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِصِفَاتٍ أُخْرَى، فَلِهَذَا السَّبَبِ احتالوا في تكوين كل شي عَنْ مَادَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ. فَلَمَّا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْأَجْسَامَ مُحْدَثَةٌ، وَأَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ فَاعِلٌ مُخْتَارٌ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْأَجْسَامِ كَيْفَ شَاءَ وَأَرَادَ، فَعِنْدَ هَذَا لَا حَاجَةَ إِلَى اسْتِخْرَاجِ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ، فَثَبَتَ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 83
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست