responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 79
وَحُصُولِ الْغَلَّاتِ، وَلَوْ قَدَّرْنَا كَوْنَهَا أَسْرَعَ أَوْ أَبْطَأَ مِمَّا وَقَعَ، لَاخْتَلَّتْ هَذِهِ الْمَصَالِحُ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً.
الْمَبْحَثُ الثَّانِي: فِي الْحُسْبَانِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَّهُ جَمْعُ حِسَابٍ مِثْلُ رِكَابٌ وَرُكْبَانَ وَشِهَابٌ وَشُهْبَانَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْحُسْبَانَ مَصْدَرٌ كَالرُّجْحَانِ وَالنُّقْصَانِ. وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْحُسْبَانُ بِالضَّمِّ مَصْدَرُ حَسَبَ، كَمَا أَنَّ الْحِسْبَانَ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ حَسِبَ، وَنَظِيرُهُ الْكُفْرَانُ وَالْغُفْرَانُ وَالشُّكْرَانُ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: مَعْنَى جَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا جَعَلَهُمَا عَلَى حِسَابٍ. لِأَنَّ حِسَابَ الْأَوْقَاتِ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِدَوْرِهِمَا وَسَيْرِهِمَا.
الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ قُرِئَا بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ، فَالنَّصْبُ/ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ قوله: جاعل اللَّيْلَ أَيْ وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا، وَالْجَرُّ عَطْفٌ عَلَى لَفْظِ اللَّيْلِ، وَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مَجْعُولَانِ حُسْبَانًا: أَيْ مَحْسُوبَانِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْعَزِيزُ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَالْعَلِيمُ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ عِلْمِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ تَقْدِيرَ أَجْرَامِ الْأَفْلَاكِ بِصِفَاتِهَا الْمَخْصُوصَةِ وَهَيْئَاتِهَا الْمَحْدُودَةِ، وَحَرَكَاتِهَا الْمُقَدَّرَةِ بِالْمَقَادِيرِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْبُطْءِ وَالسُّرْعَةِ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ إِلَّا بِقُدْرَةٍ كَامِلَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَعِلْمٍ نَافِذٍ فِي جَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ، وَذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَالصِّفَاتِ لَيْسَ بِالطَّبْعِ وَالْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِتَخْصِيصِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ. واللَّه أعلم.

[سورة الأنعام (6) : آية 97]
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)
هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْحِكْمَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ وَهِيَ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَهَا لِتَهْتَدِيَ الْخَلْقُ بِهَا إِلَى الطُّرُقِ وَالْمَسَالِكِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَهْتَدُونَ بِهَا إِلَى الْمَسَالِكِ وَالطُّرُقِ الَّتِي يُرِيدُونَ الْمُرُورَ فِيهَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ يَسْتَدِلُّونَ بِأَحْوَالِ حَرَكَةِ الشَّمْسِ عَلَى مَعْرِفَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّونَ بِحَرَكَةِ الشَّمْسِ فِي النَّهَارِ عَلَى الْقِبْلَةِ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِأَحْوَالِ الْكَوَاكِبِ فِي اللَّيَالِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ كَوْنَ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ زِينَةً لِلسَّمَاءِ، فَقَالَ: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً [الْفُرْقَانِ: 61] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ [الصَّافَّاتِ: 6] وَقَالَ: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ [الْبُرُوجِ: 1] .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي مَنَافِعِهَا كَوْنَهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أَيْ فِي ظُلُمَاتِ التَّعْطِيلِ وَالتَّشْبِيهِ، فَإِنَّ الْمُعَطِّلَ يَنْفِي كَوْنَهُ فَاعِلًا مُخْتَارًا، وَالْمُشَبِّهَ يُثْبِتُ كَوْنَهُ تَعَالَى جِسْمًا مُخْتَصًّا بِالْمَكَانِ فَهُوَ تَعَالَى خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِيُهْتَدَى بِهَا فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الظُّلُمَاتِ، أَمَّا الِاهْتِدَاءُ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ بَرِّ التَّعْطِيلِ، فَذَلِكَ لأنا نشاهد
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 79
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست