responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 7
حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ كَأَنَّهُمُ انْتَقَلُوا إِلَى عَالَمِ الْقِيَامَةِ، لَا جَرَمَ صَارَ التَّسْلِيمُ الْمَوْعُودُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ حَالَ كَوْنِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا، بَلْ هَذَا كَلَامُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَوْلُهُ: وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَا يَتَنَاوَلُ التَّوْبَةَ مِنَ الْكُفْرِ، لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ خِطَابٌ مَعَ الَّذِينَ/ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَوْبَةُ الْمُسْلِمِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ بِجَهالَةٍ لَيْسَ هُوَ الْخَطَأَ وَالْغَلَطَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى التَّوْبَةِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ، أَنْ تُقْدِمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِسَبَبِ الشَّهْوَةِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ بَيَانَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَقْدَمَ عَلَى الذَّنْبِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ ذَنْبًا ثُمَّ تَابَ منه توبة حقيقة فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ نَافِعٌ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ بِفَتْحِ الْأَلِفِ فَأَنَّهُ غَفُورٌ بِكَسْرِ الْأَلِفِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا. أَمَّا فَتْحُ الْأُولَى فَعَلَى التَّفْسِيرِ لِلرَّحْمَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ. وَأَمَّا فَتْحُ الثَّانِيَةِ فَعَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ بَدَلًا مِنَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 85] وَقَوْلِهِ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ [الْحَجِّ: 4] وَقَوْلِهِ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ [التَّوْبَةِ: 63] قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: مَنْ فَتَحَ الْأُولَى فَقَدْ جَعَلَهَا بَدَلًا مِنَ الرَّحْمَةِ، وَأَمَّا الَّتِي بَعْدَ الْفَاءِ فَعَلَى أَنَّهُ أَضْمَرَ لَهُ خَبَرًا تَقْدِيرُهُ، فَلَهُ أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أَيْ فَلَهُ غُفْرَانُهُ، أَوْ أَضْمَرَ مُبْتَدَأً يَكُونُ «أَنَّ» خَبَرَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَأَمْرُهُ أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَأَمَّا مَنْ كَسَرَهُمَا جَمِيعًا فَلِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فَقَدْ تَمَّ هَذَا الْكَلَامُ، ثُمَّ ابْتَدَأَ وَقَالَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَدَخَلَتِ الْفَاءُ جَوَابًا لِلْجَزَاءِ، وَكُسِرَتْ إِنَّ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ كَأَنَّكَ قُلْتَ فَهُوَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِلَّا أَنَّ الْكَلَامَ بِأَنَّ أَوْكَدُ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ الْأُولَى بِالْفَتْحِ وَالثَّانِيَةَ بِالْكَسْرِ، لِأَنَّهُ أَبْدَلَ الْأُولَى مِنَ الرَّحْمَةِ، وَاسْتَأْنَفَ مَا بَعْدَ الْفَاءِ. واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ قَالَ الْحَسَنُ: كُلُّ مَنْ عَمِلَ مَعْصِيَةً فَهُوَ جَاهِلٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: إِنَّهُ جَاهِلٌ بِمِقْدَارِ مَا فَاتَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَمَا اسْتَحَقَّهُ مِنَ الْعِقَابِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ عَاقِبَةَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مَذْمُومَةٌ، إِلَّا أَنَّهُ آثَرَ اللَّذَّةَ الْعَاجِلَةَ عَلَى الْخَيْرِ الْكَثِيرِ الْآجِلِ، وَمَنْ آثَرَ الْقَلِيلَ عَلَى الْكَثِيرِ قِيلَ فِي الْعُرْفِ إِنَّهُ جَاهِلٌ.
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلًا إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا فَعَلَ مَا يَلِيقُ بِالْجُهَّالِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَاهِلِ، وَقِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عُمَرَ حِينَ أَشَارَ بِإِجَابَةِ الْكَفَرَةِ إِلَى مَا اقْتَرَحُوهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهَا مَفْسَدَةٌ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ:
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ [النِّسَاءِ: 17] .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَقَوْلُهُ تابَ إِشَارَةٌ إِلَى النَّدَمِ عَلَى الْمَاضِي وَقَوْلُهُ وَأَصْلَحَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِهِ آتِيًا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ. ثُمَّ قَالَ: فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَهُوَ غَفُورٌ بِسَبَبِ إِزَالَةِ الْعِقَابِ، رَحِيمٌ بِسَبَبِ إِيصَالِ الثَّوَابِ الَّذِي هُوَ النهاية في الرحمة. واللَّه أعلم.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 7
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست