responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 43
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَلِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ، فَيَقُولُ: الْأُفُولُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحُدُوثِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ حَرَكَةٌ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَيَكُونُ الطُّلُوعُ أَيْضًا دَلِيلًا عَلَى الْحُدُوثِ، فَلِمَ تَرَكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى حُدُوثِهَا بِالطُّلُوعِ وَعَوَّلَ فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَطْلُوبِ عَلَى الْأُفُولِ؟
وَالْجَوَابُ: لَا شَكَّ أَنَّ الطُّلُوعَ وَالْغُرُوبَ يَشْتَرِكَانِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُدُوثِ إِلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي يَحْتَجُّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ فِي مَعْرِضِ دَعْوَةِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ إِلَى اللَّه لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا جَلِيًّا بِحَيْثُ يَشْتَرِكُ فِي فَهْمِهِ الذَّكِيُّ وَالْغَبِيُّ وَالْعَاقِلُ. وَدَلَالَةُ الْحَرَكَةِ عَلَى الْحُدُوثِ وَإِنْ كَانَتْ يَقِينِيَّةً إِلَّا أَنَّهَا دَقِيقَةٌ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْأَفَاضِلُ مِنَ الْخَلْقِ. أَمَّا دَلَالَةُ الْأُفُولِ فَإِنَّهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ يَعْرِفُهَا كُلُّ أَحَدٍ، فَإِنَّ الْكَوْكَبَ يَزُولُ سُلْطَانُهُ وَقْتَ الْأُفُولِ فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْأُفُولِ عَلَى هَذَا الْمَقْصُودِ أَتَمَّ. وَأَيْضًا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْهَوَى فِي خَطِرَةِ الْإِمْكَانِ أُفُولٌ، وَأَحْسَنُ الْكَلَامِ مَا يَحْصُلُ فِيهِ حِصَّةُ الْخَوَاصِّ وَحِصَّةُ الْأَوْسَاطِ وَحِصَّةُ الْعَوَامِّ، فَالْخَوَاصُّ يَفْهَمُونَ مِنَ الْأُفُولِ الْإِمْكَانَ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ مُحْتَاجٌ وَالْمُحْتَاجُ: لَا يَكُونُ مَقْطُوعَ الْحَاجَةِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِانْتِهَاءِ إِلَى مَنْ يَكُونُ مُنَزَّهًا عَنِ الْإِمْكَانِ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْحَاجَاتُ بِسَبَبِ وُجُودِهِ كَمَا قَالَ: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النَّجْمِ: 42] وَأَمَّا الْأَوْسَاطُ فَإِنَّهُمْ يَفْهَمُونَ مِنَ الْأُفُولِ مُطْلَقَ الْحَرَكَةِ، فَكُلُّ مُتَحَرِّكٍ مُحْدَثٌ، وَكُلُّ مُحْدَثٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْقَدِيمِ الْقَادِرِ. فَلَا يَكُونُ الْآفِلُ إِلَهًا بَلِ الْإِلَهُ هُوَ الَّذِي احْتَاجَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْآفِلُ. وَأَمَّا الْعَوَامُّ فَإِنَّهُمْ يَفْهَمُونَ مِنَ الْأُفُولِ الْغُرُوبَ وَهُمْ يُشَاهِدُونَ أَنَّ كُلَّ كَوْكَبٍ يَقْرُبُ مِنَ الْأُفُولِ والغروب فإنه يزول نوره وينتقض ضَوْءُهُ وَيَذْهَبُ سُلْطَانُهُ وَيَصِيرُ كَالْمَعْزُولِ وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلَهِيَّةِ، فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ: لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ كَلِمَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نَصِيبِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَصْحَابِ الشِّمَالِ، فَكَانَتْ أَكْمَلَ الدَّلَائِلِ وَأَفْضَلَ الْبَرَاهِينِ.
وَفِيهِ دَقِيقَةٌ أُخْرَى: وَهُوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا كَانَ يُنَاظِرُهُمْ وَهُمْ كَانُوا مُنَجِّمِينَ. وَمَذْهَبُ أَهْلِ النُّجُومِ أَنَّ الْكَوْكَبَ إِذَا كَانَ فِي الرُّبْعِ الشَّرْقِيِّ وَيَكُونُ صَاعِدًا إِلَى وَسَطِ السَّمَاءِ كَانَ قَوِيًّا عظيم التأثير. أما إذا كان غريبا وَقَرِيبًا مِنَ الْأُفُولِ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَعِيفَ التَّأْثِيرِ قَلِيلَ الْقُوَّةِ. فَنَبَّهَ بِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي لَا تَتَغَيَّرُ قُدْرَتُهُ إِلَى الْعَجْزِ وَكَمَالُهُ إِلَى النُّقْصَانِ، وَمَذْهَبُكُمْ أَنَّ الْكَوْكَبَ حَالَ كَوْنِهِ فِي الرُّبْعِ الْغَرْبِيِّ، يَكُونُ ضَعِيفَ الْقُوَّةِ، نَاقِصَ التَّأْثِيرِ، عَاجِزًا عَنِ التَّدْبِيرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْقَدْحِ فِي إِلَهِيَّتِهِ، فَظَهَرَ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ أَنَّ لِلْأُفُولِ مَزِيدَ خَاصِّيَّةٍ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْقَدْحِ فِي إِلَهِيَّتِهِ واللَّه أَعْلَمُ.
أَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي: وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ كَوْنَ الْكَوْكَبِ آفِلًا يَمْنَعُ مِنْ رُبُوبِيَّتِهِ. فَلِقَائِلٍ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ: أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ أُفُولُهُ دَالًّا عَلَى حُدُوثِهِ إِلَّا أَنَّ حُدُوثَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ رَبًّا لِإِبْرَاهِيمَ وَمَعْبُودًا لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنَجِّمِينَ وَأَصْحَابَ الوسائط يَقُولُونَ إِنَّ الْإِلَهَ الْأَكْبَرَ خَلَقَ الْكَوَاكِبَ وَأَبْدَعَهَا وَأَحْدَثَهَا، ثُمَّ أَنَّ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ تَخْلُقُ النَّبَاتَ وَالْحَيَوَانَ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْأَسْفَلِ، فَثَبَتَ أَنَّ أُفُولَ الْكَوَاكِبِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى حُدُوثِهَا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهَا أَرْبَابًا لِلْإِنْسَانِ وآلهة لهذا العالم. والجواب: لنا هاهنا مَقَامَانِ:
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الرَّبِّ وَالْإِلَهِ الْمَوْجُودَ الَّذِي عِنْدَهُ تَنْقَطِعُ الْحَاجَاتُ، وَمَتَى ثَبَتَ بِأُفُولِ الْكَوَاكِبِ حُدُوثُهَا، وَثَبَتَ فِي بَدَاهَةِ الْعُقُولِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُحْدَثًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي وُجُودِهِ مُحْتَاجًا إِلَى الْغَيْرِ.
وَجَبَ الْقَطْعُ بِاحْتِيَاجِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ فِي وُجُودِهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَمَتَى ثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى امْتَنَعَ كَوْنُهَا أَرْبَابًا وَآلِهَةً.
بِمَعْنَى أَنَّهُ تَنْقَطِعُ الْحَاجَاتُ عِنْدَ وُجُودِهَا، فَثَبَتَ أَنَّ كَوْنَهَا آفِلَةً يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي كَوْنِهَا أَرْبَابًا وَآلِهَةً بِهَذَا التَّفْسِيرِ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 43
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست