responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 31
عِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ هُوَ عِبَادَةُ الْكَوَاكِبِ. وَأَمَّا الأنبياء صلوات اللَّه عليهم فلهم هاهنا مَقَامَانِ: أَحَدُهُمَا: إِقَامَةُ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَوَاكِبَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا الْبَتَّةَ فِي أَحْوَالِ هَذَا الْعَالَمِ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54] بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ فِي الْكَوَاكِبِ أَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِتَقْدِيرِ أَنَّهَا تَفْعَلُ شَيْئًا وَيَصْدُرُ عَنْهَا تَأْثِيرَاتٌ فِي هَذَا الْعَالَمِ إِلَّا أَنَّ دَلَائِلَ الْحُدُوثِ حَاصِلَةٌ فِيهَا فَوَجَبَ كَوْنُهَا مَخْلُوقَةً وَالِاشْتِغَالُ بِعِبَادَةِ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنَ الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَةِ الْفَرْعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَاصِلَ دِينِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً؟ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فَأَفْتَى بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ جَهْلٌ، ثُمَّ لَمَّا اشْتَغَلَ بِذِكْرِ الدَّلِيلِ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ الْكَوَاكِبَ وَالْقَمَرَ وَالشَّمْسَ لَا يَصْلُحُ شَيْءٌ مِنْهَا لِلْإِلَهِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دِينَ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ حَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى الْقَوْلِ بِإِلَهِيَّةِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ وَإِلَّا لَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُتَنَافِيَةً مُتَنَافِرَةً. وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى إِبْطَالِ الْقَوْلِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ إِلَّا بِإِبْطَالِ كَوْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ/ وَسَائِرِ الْكَوَاكِبِ آلِهَةً لِهَذَا الْعَالَمِ مُدَبِّرَةً لَهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي شَرْحِ حَقِيقَةِ مَذْهَبِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مَعْشَرٍ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُنَجِّمُ الْبَلْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّه فَقَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الصِّينِ وَالْهِنْدِ كَانُوا يُثْبِتُونَ الْإِلَهَ وَالْمَلَائِكَةَ إِلَّا أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ تَعَالَى جِسْمٌ وَذُو صُورَةٍ كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ مِنَ الصُّوَرِ وَلِلْمَلَائِكَةِ أَيْضًا صُوَرٌ حَسَنَةٌ إِلَّا أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُحْتَجِبُونَ عنا بالسموات، فَلَا جَرَمَ اتَّخَذُوا صُوَرًا وَتَمَاثِيلَ أَنِيقَةَ الْمَنْظَرِ حَسَنَةَ الرُّؤْيَا وَالْهَيْكَلِ فَيَتَّخِذُونَ صُورَةً فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَيَقُولُونَ إِنَّهَا هَيْكَلُ الْإِلَهِ، وَصُورَةً أُخْرَى دُونَ الصُّورَةِ الْأَوْلَى وَيَجْعَلُونَهَا عَلَى صُورَةِ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ يُوَاظِبُونَ عَلَى عِبَادَتِهَا قَاصِدِينَ بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ طَلَبَ الزُّلْفَى مِنَ اللَّه تَعَالَى وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مَعْشَرٍ فَالسَّبَبُ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى جِسْمٌ وَفِي مَكَانٍ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْقَوْمَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى فَوَّضَ تَدْبِيرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَقَالِيمِ إِلَى مَلَكٍ بِعَيْنِهِ. وَفَوَّضَ تَدْبِيرَ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ مُلْكِ الْعَالَمِ إِلَى رُوحٍ سَمَاوِيٍّ بِعَيْنِهِ فَيَقُولُونَ مُدَبِّرُ الْبِحَارِ مَلَكٌ، وَمُدَبِّرُ الْجِبَالِ مَلَكٌ آخَرُ، وَمُدَبِّرُ الْغُيُومِ وَالْأَمْطَارِ مَلَكٌ، وَمُدَبِّرُ الْأَرْزَاقِ مَلَكٌ، وَمُدَبِّرُ الْحُرُوبِ وَالْمُقَاتِلَاتِ مَلَكٌ آخَرُ فَلَمَّا اعْتَقَدُوا ذَلِكَ اتَّخَذُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ صَنَمًا مَخْصُوصًا وَهَيْكَلًا مَخْصُوصًا وَيَطْلُبُونَ مِنْ كُلِّ صَنَمٍ مَا يَلِيقُ بِذَلِكَ الرُّوحِ الْفَلَكِيِّ مِنَ الْآثَارِ وَالتَّدْبِيرَاتِ، وَلِلْقَوْمِ تَأْوِيلَاتٌ أُخْرَى سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ولنكتف هاهنا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْبَيَانِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ وَالِدِ إِبْرَاهِيمَ هُوَ آزَرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ اسْمُهُ تَارَحُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا خِلَافَ بَيْنَ النَّسَّابِينَ أَنَّ اسْمَهُ تَارَحُ، وَمِنَ الْمُلْحِدَةِ مَنْ جَعَلَ هَذَا طَعْنًا فِي الْقُرْآنِ. وَقَالَ هذا النسب خطأ وليس بصواب، وللعلماء هاهنا مَقَامَانِ:
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: أَنَّ اسْمَ وَالِدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ آزَرُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ أَجْمَعَ النَّسَّابُونَ عَلَى أَنَّ اسْمَهُ كَانَ تَارَحَ. فَنَقُولُ هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا حَصَلَ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَلِّدُ بَعْضًا، وَبِالْآخِرَةِ يَرْجِعُ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ إِلَى قَوْلِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ مِثْلُ قَوْلِ وَهْبٍ وَكَعْبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَرُبَّمَا تَعَلَّقُوا بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ أَخْبَارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ صَرِيحِ الْقُرْآنِ.
الْمَقَامُ الثَّانِي: سَلَّمْنَا أن اسمه كان تارح ثم لنا هاهنا وجوه:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 31
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست