responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 399
كَثِيرًا، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ فِي الْخَيْرِ مِنْ فَرْقِهِ إِلَى قَدَمِهِ، تُرِيدُ تَكَاثُفَ الْخَيْرِ وَكَثْرَتَهُ عِنْدَهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْأَكْلَ مِنْ فَوْقُ نُزُولُ الْقَطْرِ، وَمِنْ تَحْتِ الْأَرْجُلِ حُصُولُ النَّبَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الْأَعْرَافِ: 96] الثَّالِثُ: الْأَكْلُ مِنْ فَوْقُ كَثْرَةُ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ، وَمِنْ تَحْتِ الْأَرْجُلِ الزُّرُوعُ الْمُغَلَّةُ، وَالرَّابِعُ: الْمُرَادُ أَنْ يَرْزُقَهُمُ الْجِنَانَ الْيَانِعَةَ الثِّمَارِ، فَيَجْتَنُونَ مَا تَهَدَّلَ مِنْ رؤوس الشَّجَرِ، وَيَلْتَقِطُونَ مَا تَسَاقَطَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، وَالْخَامِسُ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِشَارَةً إِلَى مَا جَرَى عَلَى الْيَهُودِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبَنِي النَّضِيرِ مِنْ قَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَإِفْسَادِ زُرُوعِهِمْ وَإِجْلَائِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ مَعْنَى الِاقْتِصَادِ فِي اللُّغَةِ الِاعْتِدَالُ فِي الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ غُلُوٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَأَصْلُهُ الْقَصْدُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ عَرَفَ مَطْلُوبَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَاصِدًا لَهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ غَيْرِ انْحِرَافٍ وَلَا اضْطِرَابٍ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ مَقْصُودِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَحَيِّرًا، تَارَةً يَذْهَبُ يَمِينًا وَأُخْرَى يَسَارًا، فَلِهَذَا السَّبَبِ جُعِلَ الِاقْتِصَادُ عِبَارَةً عَنِ الْعَمَلِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْغَرَضِ، ثُمَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُقْتَصِدَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: كَعَبْدِ اللَّه بْنِ سَلَامٍ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّجَاشِيِّ مِنَ النَّصَارَى، فَهُمْ عَلَى الْقَصْدِ مِنْ دِينِهِمْ، وَعَلَى الْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ مِنْهُ، وَلَمْ يَمِيلُوا إِلَى طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ. وَالثَّانِي: الْمُرَادُ مِنْهَا الْكُفَّارُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَكُونُونَ عُدُولًا فِي دِينِهِمْ، وَلَا يَكُونُ فِيهِمْ عِنَادٌ شَدِيدٌ وَلَا غِلْظَةٌ كَامِلَةٌ، كَمَا قَالَ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آلِ عِمْرَانَ: 75] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ مَا يَعْمَلُونَ وَفِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا أَسْوَأَ عَمَلَهُمْ، وَالْمُرَادُ: مِنْهُمُ الْأَجْلَافُ الْمَذْمُومُونَ الْمُبْغَضُونَ الَّذِينَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمُ الدَّلِيلُ وَلَا/ يَنْجَعُ فيهم القول.

[سورة المائدة (5) : آية 67]
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67)
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أَمَرَ الرَّسُولَ بِأَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى قِلَّةِ الْمُقْتَصِدِينَ وَكَثْرَةِ الْفَاسِقِينَ وَلَا يَخْشَى مَكْرُوهَهُمْ فَقَالَ بَلِّغْ أَيْ وَاصْبِرْ عَلَى تَبْلِيغِ مَا أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَفَضَائِحِ أَفْعَالِهِمْ، فَإِنَّ اللَّه يَعْصِمُكَ مِنْ كَيْدِهِمْ وَيَصُونُكَ مِنْ مَكْرِهِمْ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّه بَعَثَنِي بِرِسَالَتِهِ فَضِقْتُ بِهَا ذَرْعًا وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ يُكَذِّبُونِي وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقُرَيْشٌ يُخَوِّفُونِي، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَةَ زَالَ الْخَوْفُ بِالْكُلِّيَّةِ»
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أَيَّامَ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ يُجَاهِرُ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ وَيُخْفِي بَعْضَهُ إِشْفَاقًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ تَسَرُّعِ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَعَزَّ اللَّه الْإِسْلَامَ وأيده بالمؤمنين قال له: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
أَيْ لَا تُرَاقِبَنَّ أَحَدًا، وَلَا تَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنَالَكَ مَكْرُوهٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَفِيهِ مَسَائِلُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ نَافِعٌ رِسالاتِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي الْأَنْعَامِ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ [الْأَنْعَامِ: 124] على الجمع، وفي الأعراف بِرِسالاتِي [الْأَعْرَافِ: 144] عَلَى الْوَاحِدِ، وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ عَلَى الضِّدِّ، فَفِي الْمَائِدَةِ وَالْأَنْعَامِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَفِي الْأَعْرَافِ عَلَى الْجَمْعِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَقَرَأَ ابْنُ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 399
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست