responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 398
يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَخْدَعُوا ضَعِيفًا، وَيَسْتَخْرِجُوا نَوْعًا مِنَ الْمَكْرِ وَالْكَيْدِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا خَالَفُوا حُكْمَ التَّوْرَاةِ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ بُخْتَنْصَرَ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ بُطْرُسَ الرُّومِيَّ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْمَجُوسَ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ ممقوت عند اللَّه تعالى ثم قال تعالى:

[سورة المائدة (5) : آية 65]
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي ذَمِّهِمْ وَفِي تَهْجِينِ طَرِيقَتِهِمْ بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَوْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَوَجَدُوا سَعَادَاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، أَمَّا سَعَادَاتُ الْآخِرَةِ فَهِيَ مَحْصُورَةٌ فِي نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: رَفْعُ الْعِقَابِ، وَالثَّانِي: إِيصَالُ الثَّوَابِ، أَمَّا رَفْعُ الْعِقَابِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَمَّا إِيصَالُ الثَّوَابِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْإِيمَانُ وَحْدَهُ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِاقْتِضَاءِ تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَإِعْطَاءِ الْحَسَنَاتِ، فَلِمَ ضَمَّ إِلَيْهِ شَرْطَ التَّقْوَى؟
قُلْنَا: الْمُرَادُ كَوْنُهُ آتِيًا بِالْإِيمَانِ لِغَرَضِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ، لَا لِغَرَضٍ آخَرَ مِنَ الْأَغْرَاضِ الْعَاجِلَةِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُنَافِقُونَ ثُمَّ قَالَ تعالى:

[سورة المائدة (5) : آية 66]
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (66)
[في قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُمْ لَوْ آمَنُوا لَفَازُوا بِسَعَادَاتِ الْآخِرَةِ، بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَوْ آمَنُوا لَفَازُوا بِسَعَادَاتِ الدُّنْيَا وَوَجَدُوا طَيِّبَاتِهَا وَخَيْرَاتِهَا، وَفِي إِقَامَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا:
أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنَ الْوَفَاءِ بِعُهُودِ اللَّه فيها، ومن الإقرار باشتمالها على الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَثَانِيهَا: إِقَامَةُ التَّوْرَاةِ إِقَامَةُ أَحْكَامِهَا وَحُدُودِهَا كَمَا يُقَالُ: أَقَامَ الصَّلَاةَ إِذَا قَامَ بِحُقُوقِهَا، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ لَمْ يُوفِ بِشَرَائِطِهَا: إِنَّهُ أَقَامَهَا. وَثَالِثُهَا: أَقَامُوهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ لِئَلَّا يَزِلُّوا فِي شَيْءٍ مِنْ حُدُودِهَا، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا حَسَنَةٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الْقُرْآنُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كُتُبُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ:
مِثْلُ كِتَابِ شَعْيَاءَ وَمِثْلُ كِتَابِ حَيْقُوقَ، وَكِتَابِ دَانْيَالَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ مَمْلُوءَةٌ مِنَ الْبِشَارَةِ بِمَبْعَثِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ فَاعْلَمْ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا أَصَرُّوا عَلَى تَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَصَابَهُمُ الْقَحْطُ وَالشِّدَّةُ، وَبَلَغُوا إِلَى حَيْثُ قَالُوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ فاللَّه تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوا ذَلِكَ الكفر لا نقلب الْأَمْرُ وَحَصَلَ الْخِصْبُ وَالسَّعَةُ، وَفِي قَوْلِهِ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وُجُوهٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي شَرْحِ السَّعَةِ وَالْخِصْبِ، لَا أَنَّ هُنَاكَ فَوْقًا وَتَحْتًا، وَالْمَعْنَى لَأَكَلُوا أَكْلًا مُتَّصِلًا
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 398
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست