responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 128
إِلَيْهِ بِلَا مُنَازَعَةٍ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أَيْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ، وَسَلَّمَ إِلَى فُلَانٍ فِي كَذَا، أَيْ تَرَكَ مُنَازَعَتَهُ فِيهِ، وَسَلَّمَ إِلَى اللَّه أَمْرَهُ أَيْ فَوَّضَ إِلَيْهِ حُكْمَ نَفْسِهِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ فِي أَمْرِهِ أَثَرًا وَلَا شَرِكَةً، وَعَلِمَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ الصَّانِعَ هُوَ اللَّه تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ قَسَمٌ مِنَ اللَّه تَعَالَى عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَصِيرُونَ مَوْصُوفِينَ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ شَرَائِطَ: أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ الرَّسُولِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّه تَعَالَى إِلَّا بِإِرْشَادِ النَّبِيِّ الْمَعْصُومِ قَالَ:
لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُمُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِأَنْ يَسْتَعِينُوا بِحُكْمِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي كُلِّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَنَرَى أَهْلَ الْعِلْمِ مُخْتَلِفِينَ فِي صِفَاتِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَمِنْ مُعَطِّلٍ وَمِنْ مُشَبِّهٍ، وَمِنْ قَدَرِيٍّ وَمِنْ جَبْرِيٍّ، فَلَزِمَ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِحُكْمِهِ وَإِرْشَادِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَحَقَّقُوا ذَلِكَ بِأَنَّ عُقُولَ أَكْثَرِ الْخَلْقِ نَاقِصَةٌ وَغَيْرُ وَافِيَةٍ بِإِدْرَاكِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ؟ وَعَقْلُ النَّبِيِّ الْمَعْصُومِ كَامِلٌ مُشْرِقٌ، فَإِذَا اتَّصَلَ إِشْرَاقُ نُورِهِ بِعُقُولِ الْأُمَّةِ قَوِيَتْ عُقُولُهُمْ وَانْقَلَبَتْ مِنَ النَّقْصِ إِلَى الْكَمَالِ، وَمِنَ الضَّعْفِ إِلَى الْقُوَّةِ، فَقَدَرُوا عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ. وَالَّذِي يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا جَازِمِينَ مُتَيَقِّنِينَ كَامِلِي الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ، والذين بعدوا عنه اضطربوا واختلفوا، وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ مَا تَوَلَّدَتْ إِلَّا بَعْدَ زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَالتَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الشَّهْرَسْتَانِيِّ، فَيُقَالُ لَهُ: فَهَذَا الِاسْتِقْلَالُ الَّذِي ذَكَرْتَهُ إِنَّمَا اسْتَخْرَجْتَهُ مِنْ عَقْلِكَ، فَإِذَا كَانَ عُقُولُ الْأَكْثَرِينَ نَاقِصَةً فَلَعَلَّكَ ذَكَرْتَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ لِنُقْصَانِ عَقْلِكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الِاحْتِمَالُ قَائِمًا وَجَبَ أَنْ يُشَكَّ فِي صِحَّةِ مَذْهَبِكَ وَصِحَّةِ هَذَا الدَّلِيلِ الَّذِي تَمَسَّكْتَ بِهِ، وَلِأَنَّ مَعْرِفَةَ النُّبُوَّةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِلَهِ، فَلَوْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ الْإِلَهِ عَلَى مَعْرِفَةِ النُّبُوَّةِ لَزِمَ الدَّوْرُ، وَهُوَ مُحَالٌ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا تَضِيقُ صُدُورُهُمْ مِنْ أَقْضِيَتِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاضِيَ بِحُكْمِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْقَلْبِ فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ الرِّضَا بِهِ فِي الْقَلْبِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَيْلَ الْقَلْبِ وَنُفْرَتَهُ شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْ وُسْعِ الْبَشَرِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ ذَلِكَ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَحْصُلَ الْجَزْمُ وَالْيَقِينُ فِي الْقَلْبِ بِأَنَّ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ الرَّسُولُ هُوَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَرَفَ بِقَلْبِهِ كَوْنَ ذَلِكَ الْحُكْمِ حَقًّا وَصِدْقًا قَدْ يَتَمَرَّدُ عَنْ قَبُولِهِ عَلَى سَبِيلِ الْعِنَادِ أَوْ يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ الْقَبُولِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ كَمَا لَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ مِنْ حُصُولِ ذَلِكَ الْيَقِينِ فِي الْقَلْبِ. فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنَ التَّسْلِيمِ مَعَهُ فِي الظَّاهِرِ، فَقَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ الْمُرَادُ بِهِ الِانْقِيَادُ فِي الْبَاطِنِ، وَقَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً الْمُرَادُ مِنْهُ الِانْقِيَادُ فِي الظَّاهِرِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومُونَ عَنِ الْخَطَأِ فِي الْفَتْوَى وَفِي الْأَحْكَامِ،
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 128
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست